Editor in Chief: Ismael  Alwaely

Editorial secretary: Samer  Al-Saedi

Journalist: Makram   Salih

Journalist: Saif  Alwaely

Journalist: Ibnyan   Azeezalqassab

Editor: Aboalhassan   Alwaely

Reporter: Abdulhameed   Alismaeel

مقالات وأبحاث
الاثنين, أيار 1, 2023
الثلاثاء, نيسان 25, 2023
الأربعاء, نيسان 19, 2023
السبت, نيسان 15, 2023
الجمعة, نيسان 1, 2022
الأحد, آذار 13, 2022
الأربعاء, شباط 16, 2022
الثلاثاء, شباط 15, 2022
السبت, حزيران 3, 2017
السبت, أيار 20, 2017
السبت, أيار 13, 2017
الجمعة, أيار 12, 2017
الاثنين, أيار 1, 2017
1
2
3
4
5
6
   
كربلاء برؤية جديدة ( منهجية لقراء المنبر الحسيني ) الحلقة العاشرة
الاثنين, تشرين الأول 5, 2015
الشيخ عبد الحافظ البغدادي

                                                         

بداية المسيرة الخاطئة          

 ينقل  لنا ابن هشام في سيرته بعضا من تزييف الحقائق التي ورثها المسلمون , غير حقيقية , سببت شرخا كبيرا في فكر المسلمين , ذكرها ويقول : بعض النصوص ضعيفة جدا , مما يعني عدم صحتها .. أليك بعض آراءه من صحيحه المعتمد عند الجمهور.

                 {ولم يدون في تاريخ العرب أو السيرة شيء ، إلى أن مضت أيام الخلفاء ، بل لم يدون في هذه المدة غير -القرآن ومبادئ النحو . فقد رأينا المسلمين يحفزهم حرصهم على حفظ القرآن إلى كتابته في حياة النبي{ص}  وبعده ، كما حفزتهم مخافتهم من تفشي العجمة على الألسنة إلى تدوين النحو ، وذلك لما اختلط العرب بغيرهم عند اتساع الرقعة الإسلامية }. 

               ثم ينتقل إلى النقطة المهمة الأولى : ( بدء التأليف في السيرة ) : يقول :ولما كانت أيام معاوية ، أحب  ( أي معاوية )  أن يدون في التاريخ كتاب ، فاستقدم عبيد ابن شرية الجرهمي من صنعاء ،  { وهو أول مؤرخ للدولة الأموية } فكتب له كتاب الملوك وأخبار الماضين .{{ وهذا ليس له علاقة بالتاريخ الإسلامي , ولكنه وضع الأسس لمن ليس عنده أساس في كتابة التاريخ أولا , ثم علم الناس أخبار الملوك والماضين }} فيقول ابن سعد في طبقاته ....

        بعد هذا رأينا أكثر من واحد من العلماء يتجهون إلى علم التاريخ من ناحيته الخاصة لا العامة ، وهي سيرة الرسول {ص} ..!!! . ولعلهم وجدوا في تدوين ما يتعلق به عليه الصلاة والسلام شيئا يحقق ما في أنفسهم من تعلق به {{ وهذه التي سنتناولها لاحقا  كيف جاءت أخباره من خلالهم ومدى محبتهم له إن صحت }} ، وحبا لتخليد آثاره ، بعد أن منعوا من تدوين أحاديثه إلى أيام عمر بن عبد العزيز ، مخافة أن يختلط الحديث بالقرآن ،(    ).. فجاء أكثر من رجل كلهم محدث ، فدونوا في السيرة كتبا ، نذكر منهم : عروة بن الزبير بن العوام الفقيه المحدث ، الذي مكنه نسبه من قبل أبيه الزبير وأمه أسماء بنت أبى بكر أن يروى الكثير من الأخبار والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وحياة صدر الإسلام . 

وحسبك أن تعلم أن ابن إسحاق ، والواقدي والطبري ، أكثروا من الأخذ عنه ، ولا سيما فيما يتعلق بالهجرة إلى الحبشة ، والمدينة ، وغزوة بدر . وكانت وفاة عروة - فيما يظن - سنة 92 هـ . 

ثم أبان بن عثمان بن عفان المدني المتوفى سنة 105 هـ . فألف في السيرة صحفا جمع فيها أحاديث حياة الرسول . {ص}  ثم وهب بن منبه اليمنى المتوفى سنة 110 هـ ....

  وفي مدينة هيدلبرج بألمانيا قطعة من كتابه الذي ألفه في المغازي . 

وغير هؤلاء كثير ، منهم من قضى نحبه قرب تمام الربع الأول من القرن الثاني ..(     ) .

 

                  استمرت سلسلة الكتب , وتدخل الخلفاء في تحديد سيرة التاريخ ...وأشهر ما ألف في السيرة النبوية الشريفة . طبعت لأول مرة في ( غوتنغن ) سنة 1858م بعناية الألماني ووستنفلد . من كتاب المغازي والسير لابن إسحق ( ت 151هـ ) وكان ابن إسحق قد جمع كتابه للخليفة المهدي العباسي ، بأمر أبي جعفر المنصور . فذكر فيه أخبار الخليقة منذ آدم ( ع ) حتى وفاة النبي ( ص ) . فأسقط منها ابن هشام ما كان قبل إسماعيل ( ع ) وما لا يخص آباء النبي ( ص ) من أخبار أبناء إسماعيل ، وما ليس لرسول الله ( ص ) فيه ذكر ، ولا نزل به قرآن .

              وترك أشعارا ذكرها ابن إسحق ، لم ير أحدا من أهل العلم بالشعر يعرفها " ولا نعرف كيف ترك أشعارا لا يعرفها أهل الشعر ولا الأدباء " إلا إذا كانت لا تتوافق مع النصوص التي يكتبونها ..!! وأشياء : بعضها يشنع الحديث به ، وبعض يسوء الناس ذكره ، وبعض لم يقر له البكائي بروايته ،.. من هو البكاني ..؟ 

             البكائي : هو شيخ ابن هشام الذي يروي عنه سيرة ابن إسحق ... أي ان مصدر هذا المؤرخ هو البكائي ... وقد وصلتنا أقسام من سيرة ابن إسحق برواية أخرى ، هي رواية : يونس بن بكير ، منها قطعة في ( 300 ) صفحة في القرويين بفاس ، وأخرى في الظاهرية بدمشق (    ) ..          ولسيرة ابن إسحق رواة ، غير البكائي وابن بكير ، أوصلها مطاع الطرابيشي إلى ( 61 ) راويا في كتابه ( رواة المغازي والسير ) . قال الطناحي في موجزه : ( وفي خزانة القرويين أيضا نسخة من سيرة ابن هشام ، بقلم أندلسي نفيس ، كتبت سنة ( 719هـ ) ، وبحواشيها معارضات وتقييدات قيمة . والجزء الثالث من نسخة أخرى ، بقلم أندلسي عتيق ، على رق غزل . وصور ذلك كله في معهد المخطوطات بالقاهرة ) ...

             قال ابن النديم في حديثه عن ابن إسحق : ( كان تعمل له الأشعار ، ويؤتى بها ، ويسأل أن يدخلها في السيرة فيفعل ، فضمن كتابه من الأشعار ما صار فضيحة عند رواة الشعر(   ).

            ونوه ابن سلام إلى ذلك في ( طبقات الشعراء ) وذكر أنه بلغ في رواية الشعر إلى عاد وثمود ، ثم قال : ( أفلا يرجع إلى نفسه فيقول : من حمل هذا الشعر ، ومن أداه منذ آلاف السنين? ) وقد أثبت ابن هشام بعض هذا الشعر وتعقبه بالإنكار ، كقصيدة أبي بكر وسعد بن أبي وقاص ، وحمزة ، وأبي جهل . وللعلماء مؤاخذات وتنبيهات كثيرة على سيرة ابن إسحق ، منها ما ذكره من أن أصحاب الرجيع ستة نفر ، وهم في البخاري عشرة ، وأن أصحاب بئر معونة أربعون رجلا ، وهم في البخاري سبعون ، وما ذكره من مؤاخاة النبي ( ص ) لعلي {ع} وأنكر ذلك ابن كثير في ( البداية 3 / 227 ) كما أنكر ما ذكره من مؤاخاة جعفر ومعاذ ، قال : ( وكان جعفر في الحبشة زمن وقوع المؤاخاة ) . قال القفطي : ( وهذه السيرة التي يرويها ابن هشام عن ابن إسحق ، قد هذب منها أماكن ، مرة بالزيادة ، ومرة بالنقصان ، وصارت لا تعرف إلا بسيرة ابن هشام ) ولسيرة ابن هشام مختصرات كثيرة ، وشرحان أندلسيان ، هما : ( الروض الأنف ) للسهيلي ( ت 581هـ ) و ( الإملاء المختصر ) لأبي ذر الخشني ( ت 604هـ ) (     ) .

 

        إلى هنا نقف  عن  تحليل الأوضاع التي كتب فيها  التاريخ , لأننا نعتقد إن الصورة أصبحت واضحة , والدليل واضح وملموس في الموضوعات , والجهة التي تعمدت في كتابة بعضا من المرويات والأحاديث الموضوعة الكاذبة لمصالحهم الشخصية وتوجهاتهم السياسية , وكي تغيب الحقيقة عن اعتدائهم التقليديين ,وهم أهل البيت {ع} .. ولم يسلم أي ضرف من التاريخ ولا شخص معارض لهم , من هؤلاء , فكان نصيب الثورة الحسينية , وشيعة الحسين {ع} وأنصار الحسين عليهم السلام , أن  تغيب حقيقة مواقفهم , كما غيبوا قبورهم ومشاهدهم ..

 

 التزوير الذي يخص الأنبياء عليهم السلام

                    الأنبياء في القرآن الكريم يتبين ان لهم الاستعداد للرسالة والنبوة مرتبة  بصورة لا يمكن تقييمها وقياسها بالمقاييس المادية والبشرية ، وهذا المقام الشامخ بحاجة إلى مقدمات عقلية وأخلاقية ونفسية ، بحيث لو لم يتحلى الإنسان بهذه الكمالات لا يمكنه أن ينال هذا المقام الرباني ، وقد أشار القرآن إلى هذه الحقيقة في عدة آيات . وقد وصفت الآيات أنبياء الله ( عليهم السلام ) بأنهم في أرقي درجة من الكمال ، وذكرت لهم - على وجه العموم - صفات وخصائص لا يمكن للبشر العاديين أن يتحلوا بها  ، وأفضلهم وسيدهم رسول الله محمد {ص} فضلا وعلما ومنزلة...

     على وجه الخصوص - ميزات وصفات خاصة  لهم , لا يشاركهم غيرهم . ولكي نستلهم مزيدا من التعرف على مقام النبوة والرسالة من وجهة نظر القرآن نذكر طرفا من هذه الآيات:

      قال تعالى : ( الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس رُسلاَ  ان الله سميع عليم )(    ). تؤكد هذه الآية بأن أنبياء الله ( عليهم السلام ) هم الصفوة والنخبة من البشر وقد انتخبهم الله تعالى للنبوة وحملهم رسالته السماوية . ولا يمكن لغيرهم القيام بالمهمة دون ان تكون لهم الخيرة والصفوة..

         وقال تعالى : ( الله أعلم حيث يجعل رسالته )(    ) .  هذه الآية تقرير وتوضيح لاصطفاء الأنبياء ، وتؤكد بأنهم كانوا مميزين عن البشر , ومستعدين من جهات عديدة مثل العظمة والقوة الروحية والصفاء النفسي والشجاعة وجميع الفضائل الأخلاقية والتعاليم الإلهية ومهيئين للاصطفاء والاجتباء لتلقي الرسالة الإلهية وهداية الناس وإرشادهم إلى سبيل السعادة والكمالات الإنسانية ويخرجوهم من الظلمات إلى النور, وكلام قوم صالح {ع} شاهد على هذه الحقيقة المذكورة . قال تعالى : ( يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا أتنهانا  أن نعبد ما يعبد آباءنا وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب )(   ).يصفهم القران أنهم قالوا : يا صالح إن قوم ثمود كانوا يرون فيك الكمال وعلقوا عليك الآمال بأن تقودهم نحو المدنية والتقدم وتفيدهم وتسعدهم بخدماتك الاجتماعية .

 وتدل هذه الآية من سورة هود المباركة أن الأنبياء ( عليهم السلام ) كانوا - قبل بعثتهم - أفرادا متفوقين على أممهم وأقوامهم والمجتمع الذي كانوا فيه ، بامتيازات خلقية وعلمية وبالصدق والشرف وجميع الصفات الإنسانية , ، بحيث إن المجتمع لم يكن ينظر إليهم بكونهم أشخاصا عاديين كسائر الأفراد ، وأن استعدادهم  وسيرتهم الأخلاقية والعبادية هي التي كانت سببا لكي يتوقع منهم المجتمع أكثر من غيرهم ، وقد أبدى قوم صالح توقعهم بقولهم : قد كنت فينا مرجوا . وأن هذه الكمالات والاستعدادات قبل بعثتهم بالنبوة هي التي جعلت أولئك الذين لم تشوبهم  العصبية والعناد أن يستجيبوا لهم في بداية أمر دعوتهم ويلتزموا بأوامرهم . 

               وأكدت بعض الآيات بالنص عصمة الأنبياء ( عليهم السلام ) كانوا معصومين من الذنوب والخطأ ومنزهين من الضلال والانحراف .منها قوله تعالى : ( أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فان يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا  بها قوما ليسوا بها بكافرين * أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده  قل لا اسالكم عليه أجراَ إن هو إلا ذكرى للعالمين) (    ).. جاءت هذه الآية بعد أن ذكر الله عز وجل ثمانية عشر نبيا وسماهم بأسمائهم ..بعد أن قال : ( ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم الى صراط مستقيم) (   ) ..

           هذه الهداية الواجبة الأتباع ليست من نوع الهداية العامة ، بل هي مختصة بالأنبياء والرسل ( عليهم السلام ) . ويعلم بالضرورة والبداهة أن اختصاص الأنبياء بهذه الصفة لم يبق للذنوب والانحراف سبيلا إليهم ، وبعبارة أخرى : إن الهداية المذكورة مصداق بارز لآية أخرى هي قوله تعالى : ( ومن يهد الله فما له من مضل )(     ).. 

                عندما نجمع بين مفهومي هاتين الآيتين  نحصل على أن الله تعالى هدى أنبياءه ورسله ( عليهم السلام ) على نحو ينفي  عنهم أي سبيل للانحراف والضلالة والذنوب إليهم . وبهذا أوجب الله تعالى على الآخرين متابعتهم والانقياد إليهم والاهتداء بسيرتهم وهديهم . وهنا لا بد أن نطرح سؤالا : ما هي حقيقة الضلالة والانحراف وماهيتهما اللتين نفاهما القرآن عن الأنبياء ( عليهم السلام ) ؟ بين القرآن حقيقة الضلالة في قوله تعالى : ( ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعلمون ) (    )..

                 هذا تقرير قراني عن عبدة الناس للشيطان وإتباعه... ترى أن الآية قد اعتبرت أن جميع المعاصي والضلالات التي تحصل بواسطة إبليس هو انحراف وضلال ، ولو أخذنا هذه الآيات الثلاث بعين الاعتبار لاستنتجنا بأن الأنبياء والرسل ( عليهم السلام ) منزهون من كل ذنب ومعصية المعبر عنها في القرآن ضلالة . رغم ذلك , رغم هذا التأكيد الإلهي القرآني  , لم يفلت الأنبياء عليهم السلام من التشويه والانحراف الذي كتبوه زورا وبهتانا ضدهم بتعمد كي يشوهوا صورتهم , ولم تسلم احاديثم من التزوير في نصوصها زيادة أو نقصانا , ووضع أحاديث عنهم ما انزل الله بها من سلطان .. في وقت يقول تعالى ..( وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله )(   )..  

النبوة في آراء الكُّتاب في العهدين

 

             لا نغالي إذا قلنا إن اغلب الانحراف جاءنا من الكتاب الذين سبقوا الكتاب المسلمين , والمخجل والمعيب أن تبقى أراء هؤلاء في أذهان المسلمين كأنها حقيقة دينية , يتكلم بها الخطباء وينقلونها للأجيال كحقيقة مسلم بها , ودخلت في الفكر الإسلامي دون ان تخضع للنقاش العلمي  , ومهدت لمن يريد التطاول على مقام النبوة , اعتمادا على القصص والروايات الواردة فيها , دون الآخذ من القران الكريم  عن حقيقة الأنبياء بشكل متعارض مع ما ورد في كتاب العهدين ...

    كل ما قرأته - أيها القارئ الكريم - في الفصول السابقة  التي ذكرناها , هو ملخص الآيات الواردة عن الأنبياء عامة ورسول الله {ص} خاصة ، ومن خلالها يمكن أن نتعرف على الصورة الواقعية ,للأنبياء ( عليهم السلام ) الأخلاقية والإيمانية سواء قبل بعثتهم أو بعدها ، ونفهم أيضا شخصيتهم ، منزلتهم ، قداستهم ، طهارتهم ، نزاهتهم ، وعصمتهم من الذنوب والأرجاس .

               ولكن المحرفين للتوراة والإنجيل شوهوا الصورة الواقعية للأنبياء ( عليهم السلام ) وحرفوها ، وذلك لأسباب ونوايا خاصة ، والتطرق إلى تفصيل وشرح تلك الأسباب خارج عن نطاق بحثنا وإجمالا لذلك نقول : إن العهدين - التوراة والإنجيل -  سبقت الفترة التي دون فيها المسلمون في العهد الأموي كتابة التاريخ الإسلامي , هذا يعطينا دليل أكيد إن المصادر التدوينية كانت من الفترة التي سبقتهم وهي فترة كتابة العهدين .فأصبحت كتب العهدين هي المصدر, واليك الدليل . 

          بما إن تلك الكتب محرفة , فضلا عن أنهما نفيا العصمة عن الأنبياء ( عليهم السلام ) ، وسلبا عنهم الطهارة والقداسة والنزاهة ، تراهم أنهم نزلوا مقام الأنبياء وصغروا مرتبتهم ، ونسبوا إليهم ( عليه السلام ) الأكاذيب وأنواع الإفك ، حتى غيروا بذلك الصورة الواقعية والنزيهة لهم فأنزلوهم إلى أدنى منزلة في المجتمع ، وساووهم بالأفراد العاديين ، وزادوا على ذلك حتى جعلوهم في صف أهل الهوى واللعب ، الذين لا رادع أخلاقي ومعنوي يردعهم عن إتيان الشهوات ، وإتباع الأهواء .  وإليك أمثلة من المرويات في التوراة والإنجيل - المحرفين ..

          1 - قصة لوط ( عليه السلام ) وابنتيه في التوراة : وصعد لوط من صوغر وسكن في الجبل وابنتاه معه ، لأنه خاف أن يسكن في صوغر ، فسكن في المغارة هو وابنتاه ، وقالت البكر للصغيرة : أبونا قد شاخ وليس في  الأرض رجل ليدخل علينا كعادة كل الأرض ، هلم نسقي أبانا خمرا ، ونضطجع معه فنحيي من أبينا نسلا ، فسقتا أباهما خمرا في تلك الليلة ، ودخلت البكر واضطجعت مع أبيها ، ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها ، وحدث في الغد أن البكر  ..قالت للصغيرة : ( إني قد اضطجعت البارحة مع أبي ) ، نسقيه خمرا الليلة أيضا فادخلي اضطجعي معه ، فنحيي من أبينا نسلا  ، فسقتا أباهما خمرا في تلك الليلة أيضا ، وقامت الصغيرة واضطجعت معه ، ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها ، فحبلت  ابنتا لوط من أبيهما ، فولدت البكر ابنا ودعت اسمه موآب وهو أبو الموآبيين إلى اليوم . والصغيرة أيضا ولدت ابنا ودعت اسمه بنى عمن وهو أبو عمون إلى اليوم (     ) .

 

2 - قصة داود ( عليه السلام ) وامرأة أوريا في التوراة : إن داود قام عن سريره وتمشى على سطح بيت الملك ، فرأى  من على السطح امرأة تستحم ، وكانت جميلة المنظر جدا ، فأرسل داود ، وسأل عن المرأة فقال واحد : هذه امرأة أوريا الحثي ، فأرسل داود رسلا فأخذها ، فدخلت إليه فاضطجع معها وهي مطهرة من طمثها ثم رجعت إلى بيتها وحبلت المرأة ، فأرسلت وأخبرت داود وقالت : إني حبلى فأرسل داود إلى يوآب يقول : أرسل إلي أوريا الحثي ، فأرسل يوآب أوريا إلى داود ، فأتى أوريا إليه ، سأل داود عن سلامة يوآب وسلامة الشعب ، ونجاح الحرب ، وقال داود لأوريا : انزل إلى بيتك واغسل رجليك . فقال أوريا لداود : إن التابوت وإسرائيل ويهوذا ساكنون في الخيام ، وسيدي يوآب وعبيد سيدي نازلون ,  على وجه الصحراء ، وأنا آتي إلى بيتي لآكل وأشرب وأضطجع مع امرأتي ، وحياتك وحياة نفسك لا أفعل هذا الأمر .  فقال داود لأوريا : أقم هنا اليوم أيضا وغدا أطلقك ، فأقام أوريا ، وفي الصباح كتب مكتوبا إلى يوآب ، وأرسله بيد أوريا ، وكتب في المكتوب يقول : اجعلوا أوريا في وجه الحرب الشديدة وارجعوا من ورائه فيضرب ويموت . فمات أوريا الحثي ، فلما سمعت امرأة أوريا أنه قد مات أوريا رجلها ندبت بعلها ، ولما مضت المناحة أرسل داود ، وضمها إلى بيته وصارت له امرأة وولدت له ابنا , وأما الأمر الذي فعله فقبح في عيني الرب , وجاء في الإنجيل المحرف : ولد سليمان بن داود من المرأة التي كانت لأوريا (    ). 

 

 3 - قصة المسيح ( عليه السلام ) صنعة الخمر : دعي يسوع ( عيسى ) إلى عرس ، ولما فرغت الخمر ، فصنع لهم المسيح ستة أجران من الخمر (     )..  وهذه الرواية لا تحتاج الى تعليق , لانه بموجبها تم تحليل الخمر في الكنائس , وفي مكان اخر تذكر الروايات عندهم ان تعاليم عيسى{ع} تحرم شرب الخمر وبقية المسكرات .... وزاد على ذلك ..في إنجيل لوقا : لم يشرب عيسى الخمر فحسب ، بل إنه كان محب للعشارين والخطاة (    ) ..!!

         هذه نماذج قليلة ذكرنا للتوضيح ,مما نسبه العهدان القديم والجديد - المحرفان - إلى الأنبياء ( عليهم السلام ) فصورا نبيا يسكر وتضطجع معه ابنتاه وتلدا منه ابنين اثنين .. !  ونبيا آخر يزني بامرأة أحد قواده في الجيش ، ولما حبلت منه خاف ذاك النبي - داود - الفضيحة ، فأمر بقتل ذاك القائد العسكري ، وبعد أن قتل,  تزوج امرأته الأرملة وولدت له في ذاك الحمل نبيا آخر وهو النبي سليمان {ع} . باعتبار أن سليمان ابن زنا , استغفر الله من ذلك . 

 

  

                                          وصول الدور إلى رسالة النبي محمد {ص} 

 

          لم تسلم السيرة النبوية كما أسلفنا من الإسرائيليات في كتب التفسير بالمأثور سواء من وعاظ السلاطين أو ما أخذوه  من الإسرائيليات , ووجدت طريقها إلى معظم كتب التفسير، متسللة من بعضها إلى البعض الآخر..وهذا احد علماء الأمة يقول : في هذا الصدد...

               الذهبي: (بل لا أكون مبالغاً ولا متجاوزاً حدّ الصدق إن قلت: إن كتب التفسير كلّها قد انزلق مؤلفوها إلى ذكر بعض الإسرائيليات، وإن كان يتفاوت قلّة وكثرة وتعقيباً عليها وسكوتاً عنها).  ورغم أنّ بعض المفسِّرين قد حذّر من ذكر الإسرائيليات إلا أنّ معظمهم (يتورّطون في ذكرها، لا ليحذِّروا منها، ولا لينبِّهوا على كذبها، وإنّما يذكرونها وكأنّها وقائع صادقة وحقائق مسلّمة بلا نقد لها وبغير أسانيدها التي تيسِّر لمن ينظر فيها معرفة صدقها من كذبها).

وكلّما كان الكتاب أكثر تفسيراً بالمأثور وأقل استفادة من المعقول في نقد المنقول وتنقيته من الشوائب، كان ذلك التفسير أكثر ذكراً للإسرائيليات ونقلاً منها.

لذا كان تفسير محمّد بن جرير الطبري المسمّى باسم (جامع البيان في تفسير القرآن) كثير الرواية للأخبار والقصص الإسرائيلية المسندة إلى كعب الأحبار ووهب بن منبه وابن جريج وغيرهم من مسلمة أهل الكتاب، فهو (يروي في تفسيره أباطيل كثيرة، يردها الشرع ولا يقبلها العقل، ثمّ لا يعقب عليها بما يفيد بطلانها اكتفاءً بذكر أسانيدها).انتهى.

    رغم أن ابن كثير كان شديد الحذر من الإسرائيليات، فقد قال في مقدّمة تاريخه (البداية والنهاية): (ولسنا نذكر من الإسرائيليات إلا ما أذن الشارع في نقله ممّا لا يخالف كتاب الله وسنّة رسوله(ص)، 

 

            وهو القسم الذي لا يصدق ولا يكذب، ممّا فيه بسط لمختصر عندنا، أو تسمية لهم ورد به شرعنا...) رغم ذلك فانّه أحياناً (يذكر في تفسيره بعض الروايات الإسرائيلية الغريبة ولا يعقِّب عليها بكلمة واحدة).(    ) ..  وحتّى الذي وصف الذهبي تفسيره (روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني) بأنّه (من أشدّ الكتب نقداً للاسرائيليات وعيباً على مَن توسّعوا في أخذها وحشوا بها تفاسيرهم) حتى هذا (ينزلق أحياناً إلى روايتها دون أن يعقّب عليها أو يحذّر منها).(    ) ..

 

      واليك عزيزي القاريْ صورا أخرى من  الموضوعات الإسرائيلية في كتب التفسير لو أردنا إعداد  مراجعة  سريعة في كتب التفسير نجد أن الإسرائيليات جاءت في الموضوعات التالية:

 

 

1 ـ قصص وأخبار الأنبياء السابقين خصوصاً أنبياء بني إسرائيل.

2 ـ قصص وأخبار الأمم السابقة.

3 ـ قصص وأخبار الغيب، عن الملائكة والعرش والكرسي والجنّة والنّار ويوم القيامة وأشراط الساعة كالمسيح والدجّال وغيره. والبرزخ وعذاب القبر , وشكل الجنة واللوح والكرسي .. الخ .

إضافة إلى موضوعات متفرقة أخرى، منها في الترغيب والترهيب والأخلاق، ولكنّها لا تشكل مساحة كبيرة.واليك  نماذج من الإسرائيليات في التفسير:

           لغرض متابعة هذا الموضوع بصورة علميّة، فإنّنا سنقوم باستقصاء نماذج من أشهر الروايات الإسرائيلية ومتابعتها في كتب التفسير، محاولين اختيار مفسِّرين مختلفين ولفترات زمنية متفاوتة، مستفيدين من ملاحظة طريقة تعامل المفسِّرين مع هذه الروايات وتطوّر منهجهم في ذلك عبر القرون المتلاحقة. وسنختار بعض الروايات الإسرائيلية من تفسير ابن جرير الطبري (القرن الثالث) ونتابعها في التفاسير السنّية والشيعيّة المختلفة، وهذه الروايات هي ممّا اشتهرت واتفق على إسرائيليتها، وهي:  - قصّة زواج النبي داوود(ع) التي ذكرنا من كتابي العهدين ..

قوله تعالى: (وَهَلْ أَتَاك نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَى داوود فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لاَ تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلاَ تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ * إِنَّ هذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِي نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ * قَالَ لَقَدْ ظَلَمَك بِسُؤَالِ نَعْجَتِك إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ داوود أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ * فَغَفَرْنَا لَهُ ذلِك وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ)(    ) .. 

              قال الطبري : في تفسيره للآيات: (وهذا مثل ضربه الخصم المتسوّرون على داوود محرابه له...... ذلك أن داوود كانت له فيما قيل: تسع وتسعون امرأة، وكانت للرجل الذي أغزاه حتى قُتِلَ , امرأة واحدة، فلمّا قُتل نَكَح ـ فيما ذكر ـ داوود امرأته، فقال له أحدهما: (إنّ هذا أخي) يقول: أخي على ديني)....   فذكر رأيه في الآيات تماما كما جاءت من كتابي العهدين دون تعليق ولم ينفي الرواية ولم يعلق عليها إنها من الإسرائيليات .. ولا ادري هل اعتبرها مما يسمح به الشرع..؟

وروى الطبري كذلك , في تفصيل ذلك سبع روايات بسنده عن ابن عباس والسدّي والحسن البصري وأنس بن مالك وعطاء الخراساني، ومنها روايتان عن وهب بن منبه اليماني، وهو ممّن روي عنه كثير من الإسرائيليات... إذن النصوص في آراء الطبري كلها من متون الإسرائيليات ..!!

             ونورِد فيما يلي روايتي وهب بن منبه كاملتين كما أخرجهما الطبري، لبيان القصّة المنسوبة إلى النبيّ داوود (ع) ولمعرفة مصدرها: حدّثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثني محمّد بن إسحاق، عن بعض أهل العلم، عن وهب بن منبه اليماني، قال: لمّا اجتمعت بنو إسرائيل على داوود، أنزل الله عليه الزّبور، وعلّمه صنعة الحديد، فألانه له، وأمر الجبال والطير أن يسبِّحن معه إذا سبّح , ولم يعط الله فيما يذكرون أحداً من خلقه مثل صوته، كان إذا قرأ الزبور ـ فيما يذكرون ـ تدنو له الوحوش حتّى يأخذ بأعناقها، وإنّها لمصيخة تسمع لصوته، وما صنعت الشياطين المزامير والبرابط والصنوج إلا على أصناف صوته،....!! { هنا قدح بالنبي إن الآلات الموسيقية متوافقة مع صوته , فلاحظ ذلك } .... وكان شديد الاجتهاد دائب العبادة،..!  فأقام في بني إسرائيل يحكم فيهم بأمر الله نبيّاً مستخلفاً، وكان شديد الاجتهاد من الأنبياء، كثير البكاء، ثمّ عرض لفتنة تلك المرأة ما عرض له، وكان له مِحْراب يتوحد فيه لتلاوة الزّبور، ولصلاته إذا صلّى، وكان أسفل منه جنينة لرجل من بني إسرائيل، كان عند ذلك الرجل المرأة التي أصاب داوود فيها ما أصابه...

           كل هذه الكلام  والمدح له , وانه كثير العبادة , غاية الكاتب أن يرمي النبي داود(ع) بتهمة الزنا بامرأة احد القادة , ثم سبب له القتل والموت لينفرد بزوجته التي كان يزني بها , وان ابنه النبي سليمان, جاء منها عن طريق الزنا .. وهذا ما تفوح منه رائحة تحليل الزنا في أوربا الآن ... وجواز للمرأة أن تختار رجلا آخر وهي على ذمة زوج .. ولعل في الرواية ما يؤيد جواز قتل الرجل الذي تكون زوجته جميلة , ليموت ويتزوج من أعجب بالزوجة ..!!.

               حدّثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق، عن بعض أهل العلم، عن وهب بن منبه، أن داوود حين دخل محرابه ذلك اليوم، قال: لا يدخلنّ عليّ محرابي اليوم أحد حتى الليل، ولا يشغلني شيء عمّا خلوت له حتى اُمسي، ودخل محرابه، ونشر زَبوره يقرأُه، وفي المحراب كوّة تطلعه على تلك الجنينة، فبينا هو جالس يقرأ زبوره، إذ أقبلت حمامة من ذهب حتّى وقعت في الكوّة، فرفع رأسه فرآها، فأعجبته، ثمّ ذكر ما كان قال: لا يشغله شيء عمّا دخل له، فنكّس رأسه وأقبل على زَبوره، فتصوّبت الحمامة للبلاء والاختبار من الكوّة، فوقعت بين يديه، فتناولها بيده، فاستأخرتْ غير بعيد، فاتبعها، فنهضت إلى الكوّة، فتناولها في الكوّة، فتصوّبت إلى الجنينة، فأتبعها بصره أين تقع، فإذا المرأة جالسة تغتسل بهيئة، الله أعلم بها في الجمال والحُسن والخَلْق، فيزعمون أنّها لمّا رأته نقضت رأسها فوارت به جسدها منه، واختطفت قلبه، ورجع إلى زَبوره ومجلسه، وهي من شأنه لا يفارق قلبه ذكرها، وتمادى به البلاء حتّى أغزى زوجها، ثمّ أمر صاحب جيشه فيما يزعم أهل الكتاب أن يقدّم زوجها للمهالك حتّى أصابه بعض ما أراد به من الهلاك، ولداود تسع وتسعون امرأة، فلمّا أُصيب زوجها خطبها داوود، فنكحها...

                  لم يُعقِّب الطبري على هذه الروايات بشيء، رغم ما فيها من الطّعن في النبيّ داوود (ع) ونسبة عمل إليه لا يقوم به مؤمن عادي فضلاً عن نبي معصوم، كما إنّه من الواضح على الروايات أنّها من الإسرائيليات، وقد وردت الإشارة إلى مصادرها الإسرائيلية صريحاً بعبارات: (فيما يزعم أهل الكتاب، ويزعمون،)، ممّا يدلّ على أنّ مبنى المفسِّرين ـ في الطبري ـ كان التساهل عموماً في ذكر الإسرائيليات وروايتها، بصورة مباشرة أو غير مباشرة.

 

 

- رأي الخازن (ت: 741هـ):

               قال: (وفي القصّة امتحان داوود (عليه الصلاة والسلام)، واختلف العلماء بأخبار الأنبياء في سبب ذلك، وسأذكر ما قاله المفسِّرون ثمّ أتبعه بفصل فيه ذكر نزاهة داوود (عليه الصلاة والسلام) ممّا لا يليق بمذهبه (ع)، لأن منصب النبوّة أشرف المناصب وأعلاها فلا ينسب إليها إلا ما يليق بها. وأمّا ما قاله المفسِّرون: ...).

ثمّ ذكر ما روي ممّا ذكره ابن جرير وغيره معلّقاً عليه بقوله: (فهذه أقاويل السلف من أهل التفسير في قصّة امتحان داوود).وذكر أيضاً كلام الفخر الرازي في ردّ هذه الروايات ومناقشتها، وبيان الوجوه التي تنصرف إليها الآيات ممّا تنزّه ساحة النبي داوود (ع) عمّا نُسِبَ إليه.

ثمّ عقد فصلاً جديداً بعنوان (فصل في تنزيه داوود عليه الصلاة والسلام ممّا لا يليق به وما ينسب إليه)، قال فيه: (إعلم أنّ مَن خصّه الله تعالى بنبوّته وأكرمه برسالته وشرّفه على كثير من خلقه وأتمنه على وحيه وجعله واسطة بينه وبين خلقه لا يليق أن يُنسَب إليه ما لو نُسِبَ إلى آحاد الناس لاستنكف أن يحدّث به عنه، فكيف يجوز أن يُنسَب إلى بعض أعلام الأنبياء والصفوة الأمناء ذلك.

 

            ماذا يقول الشيعة عن هذه الرواية :.. ورد عن سعيد بن المسيّب والحارث الأعور عن عليّ بن أبي طالب {ع} أنّه قال: مَن حدّثكم بحديث داوود على ما يرويه القصّاص جلدته مائة وستين جلدة وهو حدّ الفرية على الأنبياء.... لاحظ رأي أمير المؤمنين {ع} يعتبرها افتراء على الأنبياء ..

وقال القاضي عياض: لا يجوز أن يلتفت إلى ما سطّره الإخباريون من أهل الكتاب الذين بدّلوا وغيّروا ونقله بعض المفسِّرين ولم ينص الله تعالى على شيء من ذلك ولا ورد في حديث صحيح، والذي نصّ عليه الله في قصّة داوود (وظنّ داوود أنّما فتنّاه) وليس في قصّة داوود وأوريا خبر ثابت ولا يظنّ بنبيّ محبّة قتل مسلم، وهذا هو الذي ينبغي أن يعول عليه من أمر داوود...).

 

- رأي ابن كثير (ت: 744هـ): أمّا ابن كثير، فإنّه وإن توقّف في قبول الروايات لأنّ أكثرها من مصادر إسرائيلية ولضعف إسناد البعض الآخر، إلا أنّه فضّل الاقتصار على الآيات وردّ علمها إلى الله دون الخوض في تفسيرها ومناقشة متون الروايات، إذ قال: (قد ذكر المفسِّرون هاهنا قصّة أكثرها مأخوذ من الإسرائيليات، ولم يثبت فيها عن المعصوم حديث يجب أتباعه... ، ولكن روى ابن أبي حاتم هنا حديثاً لا يصحّ سنده لأنّه من رواية يزيد عن أنس , ، ويزيد في رأيه بأنس , وإن كان من الصالحين لكنّه ضعيف الحديث عند الأئمّة، فالأولى أن يقتصر على مجرّد تلاوة هذه القصّة وأن يردّ علمها إلى الله عزّوجلّ، فإنّ القرآن حق وما تضمن فهو حق أيضاً).

- رأي السيوطي (ت: 911هـ): أخرج السيوطي القصّة المذكورة بطرق مُتعدِّدة وإسناد كثيرة أنهاها إلى كبار الصحابة والتابعين، وهي:

1 ـ أخرج ابن أبي شيبة في المصنف، وابن أبي حاتم عن ابن عباس(رض): ان داوود (ع)...

2 ـ وأخرج الحكيم في نوادر الأصول، وابن جرير، وابن أبي حاتم بسند ضعيف عن أنس(رض) سمعت رسول الله(ص) يقول: ...

3 ـ وأخرج ابن أبي شيبة وهناد وابن المنذر عن مجاهد(رض) قال: لمّا أصاب داوود (ع) الخطيئة، وإنّما كانت خطيئته أنّه لمّا أبصرها أمر بها فعزلها فلم يقربها...

4 ـ وأخرج ابن جرير عن ابن عباس(رض): ...

5 ـ وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن الحسن(رض): ...

6 ـ وأخرج ابن جرير والحاكم عن السدي، قال: ...

7 ـ وأخرج ابن المنذر عن محمّد بن كعب القرظي(رض) نحوه.

8 ـ وأخرج عبد الرزاق والفريابي وأحمد في الزهد وابن جرير والطبراني عن ابن مسعود(رض) قال: ما زاد داوود (ع) على أن قال (أكفلنيها). وأورد أربع روايات أخرى بنفس هذا المعنى.

        تعليقا على ما ذكرناه ..   من الواضح تماماً إن ما نسب لساحة النبي داوود (ع) لا يليق بساحته كمؤمن فضلاً عن أن يكون من الأنبياء.... و سياق الآيات الكريمة لا يحتمل ما روي، إذ إنّ القرآن الكريم في هذه القصّة بدأ بمدح النبي داوود بقوله تعالى: (واذْكُرْ عبدَنا داوود ذا الأيدِ إنّهُ أوّابٌ)... ثمّ قوله: (... وآتَيْناهُ الحِكْمَةَ وفَصْلَ الخِطابِ)، فكيف يمدح القرآن رجلاً ويصفه بكثرة التعبّد والحكمة ثمّ ينسب إليه مثل تلك الفِعال السيِّئة؟ ..

               صرّحت بعض الروايات بأخذها عن وهب بن منبه، وهو صاحب الحظ الأوفر الذي نقل من الإسرائيليات من كتب العهدين , ودسها في كتب المسلمين , فأصبحت من المسلمات عندهم .. وروايات أخرى موقوفة عن بعض الصحابة، ويتّضح من نصّها أنّها مأخوذة إمّا عن وهب، أو عن أهل الكتاب مباشرة،..! وهذه كارثة كبرى .... كما صرّحت روايتا وهب بنسبة القصّة فيهما إلى أهل الكتاب.وهو اعتراف صريح واضح ... 

          أما مواقف المفسِّرين الأربعة: الطبري , والسيوطي , والخازن , وابن كثير ..فالطبري والسيوطي , هما أكثر حصراً لتفسيرهما على المنقول من الإسرائيليات , قد مرّت عليهما الروايات المذكورة دون تحفظ أو اعتراض،رغم تعارضها مع القران والعقل  والمنطق ... خصوصاً مع كثرة طرقها وتعدّد مساندها، وهو ما يقوي الرواية عند أصحاب الحديث ويعتبرها حقيقة وصحيحة لمجرد أنها جاءت من جهة تقتنع الإدارة الحكومية بصحة آراءه ..!!!، مع أنّه يسيْ بشكل متعمد للرموز الدينية ويقلب الحقائق , ويأتي بأكاذيب ... وربّما تتعدّد الطرق والمصدر فيها رواية واحدة،فتكون مختلفة وغير مستقرة على رأي ثابت ... ولم يفكِرا بمحاكمة الروايات على أساس القرآن والثابت من العقائد الإسلامية، لأنّ منهج أصحاب الحديث التمسك بالرواية إن ثبتت بطرقهم، واحتمل معناها.

            أمّا ابن كثير والخازن فلأنّ منهجهما توسّع عن المنقول إلى التفسير بالقرآن ومناقشة الآراء والدلائل وفقاً له وللعقائد المسلّمة عند المسلمين فإنّهما توقّفا في تلك المرويات، فأوكل ابن كثير علمها إلى الله، وأمّا الخازن فردّها متمسّكاً بمبدأ العصمة... غير إن رأي الطبري والسيوطي أوسع واشمل عند الأغلبية من المسلمين من الخازن وابن كثير ...

 

مقالات اخرى للكاتب

 
أضف تعليق
نطلب من زوارنا اظهار الاحترام, والتقيد بالأدب العام والحس السليم في كتابة التعليقات, بعيداً عن التشدد والطائفية, علماً ان تعليقات الزوار ستخضع للتدقيق قبل نشرها, كما نحيطكم علماً بأننا نمتلك كامل الصلاحية لحذف اي تعليق غير لائق.
الاسم :

عنوان التعليق :

البريد الالكتروني :

نص التعليق :

1500 حرف المتبقية
أدخل الرقم من الصورة . اذا لم تستطع القراءة , تستطيع أن تحدث الصورة.
Page Generation: 0.4479
Total : 101