فنار الإسكندرية من أهم الآثار التي تعود للعصر اليوناني الروماني في مصر. تم تشييده لكي يرشد السفن القادمة من البحر المتوسط ويعلن لها عن مكان الإسكندرية، عروس البحر المتوسط وودرة العالم الهلينستي. ويعد الفنار الأعجوبة الثالثة من عجائب الدنيا السبع القديمة. وللأسف، فإننا لا نعرف عن الفنار الكثير من المعلومات؛ ويأتي ما توارد إلينا من أخبار عن طريق ما كتبه الرحالة والمؤرخون سواء هؤلاء الذين زاروا الفنار وشاهدوه بأعينهم، أو أولئك الذين جاءت معرفتهم بالفنار مما سمعوه أو قرأوه عن الفريق الأول. والفنار لا يوجد له أثر الآن.
شيد فنار الإسكندرية في الجزء الجنوبي الشرقي من جزيرة فاروس في عهد الملك بطلميوس الأول واستكمل في عهد بطلميوس الثاني؛ حيث تم تدشينه وتشغيله. وقد أقيمت عمارة الفنار على قاعدة ضخمة مربعة التخطيط، وكان مدخل الفنار من الجهة الجنوبية، ويفضي المدخل إلى درج مشيد على الطراز البابلي القديم على هيئة ثمانية أبراج فوق بعضها البعض، وتأخذ في الصغر كلما ارتفعنا إلى أعلى. والفنار يتكون من أربعة طوابق استخدم في بنائها أنواعًا مختلفة من الأحجار منها الحجر الجيري والجرانيت والرخام، بالإضافة إلى أنواع أخرى من الأحجار النادرة. ويقال إن الطابق الأول يأخذ شكل المربع ويصل ارتفاعه إلى 60م ويضم بداخله 300 حجرة كانت مخصصة لسكن القائمين على أمر الفنار وأيضًا لحفظ الأدوات والمعدات الخاصة بتشغيل الفنار. والطابق الثاني كان مثمن الأضلاع ويصل ارتفاعه إلى 30م أما الطابق الثالث فكان مستدير الشكل ويبلغ ارتفاعه 15م، أما الرابع فكان يتكون من ثمانية أعمدة من الرخام والجرانيت تحمل قبة يعلوها تمثال من البرونز يصل ارتفاعه إلى 7 أمتار لبوسيدون - سيد البحار والمحيطات عند الرومان.
وكانت الطريقة التي يعمل بها الفنار لإرشاد السفن تعتمد على المرايا العاكسة في الطابق الرابع وكانت تستخدم لتعكس أشعة الشمس نهارًا والإضاءة الصناعية باستخدام الوقود ليلاً. وبداخل البناء كان يوجد سلم حلزوني ربما كان سلمًا مزدوجًا يتوسطه آلة رافعة هيدرولوكية تستخدم في نقل الوقود إلى أعلى الفنار؛ حيث كان هناك في قمة الفنار مجمرة هائلة الحجم يخرج منها عمود من النار يظل مشتعلاً بصفة مستمرة طوال الليل ويتحول إلى عامود دخان أثناء النهار ولتزويد هذه المجمرة بالوقود صمم المهندس العبقري سوستراتوس طريقة مذهلة وهي عبارة عن مسطح مائل يرتفع ببطء شديد متسلقًا النصف الأسفل من المبنى حاملاً عليه الخيول المحملة بالوقود ثم ينقل الوقود إلى المجمرة من خلال الروافع الهيدرولوكية.
بلغ الارتفاع الكلي للفنار 135م، وظل الفنار يؤدي وظيفته حتى الفتح العربي عام 641م، وفى عام 700م سقطت مرآة الفنار الضخمة، وهناك شائعة تروي أن أحد أباطرة العصر البيزنطي أوعز بإسقاط المصباح عندما أراد مهاجمة مصر؛ إذ إنه وجد أنه من الصعب دخولها مع وجود هذه المرآة التي تكشف كل سفينة قادمة، فأرسل للخليفة ليخبره أن كنز الإسكندر يوجد أسفل المرآة؛ لذلك قام الخليفة بهدمه بل إنه قام بهدم الطابقين العلويين قبل أن يتدخل أهالي الإسكندرية. وفي عام 702هـ حدث زلزال عنيف أدى إلى تهدم الكثير من آثار الإسكندرية ومنها الفنار وتم ترميمه عدة مرات.
وفي القرن الخامس عشر الميلادي تعرض الفنار لزلزال شديد سقط على أثره، وبعد ذلك قام السلطان قايتباي ببناء قلعته هناك عام 1480م ولا تزال قائمة هناك حتى الآن.
ونظرًا لمكانة الفنار قيل عنه الكثير من الأساطير منها أنه من بناء الفراعنة وتناقل عدد من المؤرخين هذه المعلومة ووجدت مدونة في الكثير من كتبهم. وأخيرًا، كان من ضمن ما ذكره المؤرخون أن السفن كانت ترى ضوء الفنار من على بعد سبعين ميلاً بحريًا، وأن السفن كانت ترى في مرآته قبل أن تستطيع العين المجردة رؤيتها قادمة من البحر. سنظل نحلم بمشروع إحياء فنار الإسكندرية القديمة
مقالات اخرى للكاتب