هل سيكون المستقبل للصحافة المتخصصة ..؟ وإذا كان الجواب بنعم .. لمـاذا .. ؟
في البداية لابد من الاشارة الى المعنى رغم وضوحه من العنوان ، وهو( انها صحافة متخصصة لأنها تخاطب جماعة معينة ، أو جمهورا بعينه ، بصفات مشتركة ، ونمط ثقافي معين ، وتهتم بمواضيع محددة ) ..
ويتفق المتخصصون على أن المستقبل للصحافة المتخصصة ، لأنها من سمة العصر الذي تعمق في الاختصاص الى حد التخصص الدقيق ، ضمن التخصص الفرعي، ولم يكتف بالاختصاص العام فقط ..
وقد أصبح العالم بعد التوسع الهائل في وسائل الاعلام المختلفة ، ومنافستها الشديدة للصحافة التقليدية ، بما فيها النيت باستخداماته المتعددة يتجه الى التخصص في الصحافة أيضا ، كما هو حال مجالات الحياة المختلفة الاخرى ، بما فيها العلوم بسبب التقدم التكنلوجي الكبير وزيادة الحاجة الى المعرفة باستمرار…
فكما ظهرت في الطب ، والهندسة ، والعلوم الطبيعية والاجتماعية والفنون والاداب وغيرها تخصصات ظهرت في الصحافة صحافة التخصص ، وهي تخاطب جمهورا معينا لتواكب العصر أولا ، وتكون لها القدرةعلى أن تواجه التحدي التنافسي الذي فرضته تلك الوسائل ، وتسد حاجة القارىء المعرفية والاجتماعية في الوقت ذاته ..
ومن هنا أصبح التخصص فرعا من فروع الصحافة ، وظهرت الصحف والدوريات المتخصصة والصفحات المتخصصة داخل الصحف والمجلات العامة ، لأشباع الحاجة المعرفية الخاصة والعامة للانسان ، وتوزعت على أساس الموضوع ( المادة الصحفية)
والفئة والنوع ، أي الجمهور الذي تخاطبه ..فظهرت الصحافة الرياضية والادبية والفنية والعسكرية والعلمية والطبية بمختلف تخصصاتها والسياحية والاثارية والحوادث والمرور والمرأة والإسرة والشباب والاطفال والعمال والفلاحين والطلبة والمحامين الخ ، وصحف الاحزاب والاتحادات والجمعيات والنوادي والبرلمانات والدبلوماسية ، وصحف التسليه والترفيه والهوايات كالخيول والطيران وغيرها الكثير الكثير.. ..
وتشترك الصحافة المتخصصة ، مع الصحافة العامة في سمات مشتركة وأخرى خاصة بها بسبب طبيعة المادة والفئة والجمهور ، وخصوصيتها تتطلب الوضوح ، وعرض الارقام والمعلومات وكل ما يتصل بها ، بطريقة يستطيع أن يفهمها الجمهور الذي تخاطبه ، وتحقق الفائدة والهدف من النشر.
وفي هذا الاطار لا بد أن يكون للصحافة المتخصصة تميزها ، وجهدها الخاص بها ، ومن هنا ينبغي أن لا تكتفي بعرض المعلومة التي تحصل عليها ، وإنما عليها أن تتوغل فيها الى العمق وتتبع تفاصيلها الدقيقة ، وتكشف اسرارها ، وقد تصبح ملفا واسعا ، أوموضوعا استقصائيا كبيرا ، أو قضية تترتب عليها اجراءات وحلول ..
وفي السياسة ظهر التخصص أيضا ، ولكن ليس من خلال الاهتمام بالخبر العادي كما تتداوله الصحف والاذاعة والتلفزيون الخ يوميا ، بالتحقيق والتحليل ، وانما على شكل دراسات جادة وعميقة ومنهجية ، وقد تشارك فيها جهات استراتيجية وإستخبارية وبحثية ، تساعد الجهات المعنية ، بما فيها اصحاب القرار، ورسم السياسيات لتلك الجهات او البلاد عامة .
كما اتجهت الكثير من مراكز البحوث والدراسات الى إصدار دوريات خاصة تتعلق بمواضيع أودول أو قضايا أومشاكل تحظى باهتمام محلي او اقليمي أوعالمي ، ومنها على سبيل المثال دوريات تختص بفلسطين وقضيتها ، واسرائيل ، ودراسات افريقية ، واسيوية ، وتقارير استراتيجية تتعلق بالدول والاقتصاد والنفط والغاز والغذاء وغيره ..
وهناك من الصحف ، بما فيها العربية ، لديها مراكز بحوث إستراتيجية ، ومنها مؤسسة الاهرام القاهرية على سبيل المثال ، وتصدر عن مركزها دوريات متخصصة ومتابعات تتناول اهتمامات متنوعة ، شهرية وفصلية وسنوية ومنها الملف الاستراتيجي العربي مثلا ، و يصدر نهاية كل سنة ويتناول الواقع العربي بمختلف حالاته وقراءته له واحتمالاته المستقبلية .
وفي احد اللقاءات اقترحت على الدكتور احمد عبد المجيد رئيس التحرير انشاء مركز دراسات في (الزمان ) يعنى بالدراسات المتخصصة والاستراتيجية ، لاننا في العراق نفتقر الى مثل تلك المراكز والدراسات ، وكررت طرح المقترح في مقال في عدد صحيفة الزمان ( 5000) بعنوان (الزمان .. دور وملاحظات ) لان المشاكل والتحديات التي تواجه البلاد اليوم بحاجة الى افكار ورؤى العلماء والاساتذة والمفكرين والباحثين ، وأن لا يقتصر الامر على الاخبار والكتابات الآنية والتعليقات والتحليلات الظرفية … ولا بد من التأكيد على هذا الموضوع باستمرار كونه مهمة وطنية قبل أن يكون حاجة صحفية .
أن وجود صحف متخصصة يعني في النهاية ليس إصدار صحف ودوريات متخصصة ، تفيد شرائح واسعة فقط ، وانما تساعد كذلك في إعداد صحفيين متخصصين ، وليس مهنيين فحسب وتتيح لهم التجربة وتراكم الخبرة ، والاختصاص الخاص ، أن يكونوا أصحاب رأي وخبراء في اختصاصهم لمساعدة أصحاب القرار والجهات المعنية ، بما يحقق في النهاية نهضة في المجتمع عموما ، وتشكل تلك الصحف المتخصصة بمجموعها في النهاية منابر علم ودور معرفة ووسائل تقدم للبلاد في كل قطاعاتها وشرائحها ، التي يتكون من مجموعها الوطن ..
ولكن أين نحن من ذلك ..؟
الجواب عند أصحاب الاختصاص …
مقالات اخرى للكاتب