أطلق السيد رئيس مجلس الوزراء العراقي حيدر العبادي حملة على ما أسماه "ظاهرة الفضائيين" في المؤسسة العسكرية وقد بلغ عددهم مايقارب الــ 50 الف فضائي أو أكثر من ذلك بقليل .. هذا المصطلح ليس بالجديد على مؤسسات الدولة العراقية ، حيث إن أصل هذه الكلمة يعود الى إنه وأثناء التعداد اليومي الذي تقوم به الوحدات العسكرية في معسكرات التدريب يقوم آمر الوحدة بذكر عبارة (منو يريد يطير) أي بمعنى من الذي يريد أن يأخذ إجازة مشروطة !؟ ، فيقوم الجندي بالإتفاق مع الضباط على أخذ نصف الراتب أو مايزيد عن ذلك مقابل تمتعه بإجازة .
بعيداً عن العسكر والخمسين الفاً المعلن عنهم ،بعد رياح التغيير التي يحلو للبعض تسميتها تزايدت الفضائيات العراقية بشكل كبير حتى أصبح عددها مايزيد عن الـ 70 فضائية بالأضافة الى المحطات الراديوية التي فاق عددها الــ 100 محطة ، أخذت هذه الفضائيات وتلك المحطات تستضيف مايحلو لها من شخصيات ، فتطلق على هذا محلل سياسي وعلى ذاك خبير إستراتيجي وعلى الآخر كاتب وقاص ... الى آخره من العناوين والصفات التي لو علم كوبرنيكوس أو ميكافيللي لإعتزلو السياسة والإقتصاد والإدارة ومبادئها بسببهم .
يعرف الباحث والمفكر العراقي المعروف (سيار الجميل) المثقف بإنه "ذلك الإنسان المبدع الذي يقدم للناس شيئاً جديدا يبهرهم به" .. إذن ومن خلال هذا التعريف يُجرد الكثير ممن يدعون الثقافة ويحيلهم الى متابعين وليس مثقفين .
مثقفو الصدفة أو المثقفون المزيفون هكذا يطلق عليهم المفكر السياسي الفرنسي الشهير "باسكال بونيفاس" في معرض حديثه في مقدمة كتابه المثقفون المزيفون حين سألوه من هم هؤلاء المزيفون فأجابهم .. هم هؤلاء الذين يزيفون الحقائق وغير المؤتمنين على الكلمة أو المعلومة ، أسفي الشديد ما أكثر هؤلاء الذين يدعون الثقافة والفكر في بلادي المنكوب ، فالفضائيات اليوم مملوءة بهؤلاء الذين إن صحت تسميتهم مثقفو الصدفة ، إفرازات الوضع الراهن من حروب وإقتتال خلفت لنا تقرحات كبيرة وهاهي الآن تنفجر وولدت لنا الويلات والدمار لكل شرائح المجتمع ومن هذه الويلات هؤلاء المثقفين .
كمتابعين للوضع الراهن وللفضائيات العراقية بشكل خاص ، نجد إن ظاهرة الفضائيين منتشرة بصورة غريبة ،أي بمعنى الإخوانيات والإتفاقات المسبقة والعلاقات بين الفضائية الفلانية والشخص المستضاف هي التي ولدت هؤلاء الفضائيين ، نفس الوجوه تراها في هذه الفضائية وتلك ، نفس الكلام يُعاد مراراً وتكراراً حتى يمل المشاهد ، فبدلاً من إجتذاب الناس للمشاهدة أصبح الناس ينفرون من مثل هكذا لقاءات بسبب الشخصيات لأنهم أمسوا يعرفون ماهي المحاور وماهي المواضيع التي سيتكلم بها هذا الضيف أو ذاك المحلل أوذلك المثقف، فهم يظهرون لأجل الظهور لا لإعطاء المعلومة الجديدة ولا التحليل السليم ، أعتقد إن مثل هؤلاء يجب أن تجرى عليهم حملة كحملة الفضائيين العسكريين لكي نرتقي بواقعنا الإعلامي وبهذا سيكون الإعلام محترفاً ذو مقبولية بالنسبة للمشاهد .