في مقالنا السابق تحت اسم (يا حيا الله الجيش العراقي المقدام) حدث خلط في الفهم , عندما أكّدنا ان الله يحب خلقه كلهم بلا استثناء , فلا ينبغي الدعاء عليهم ولكن علينا ان ندعو لهم بالهداية والتوفيق ويأتي هذا المعنى من عدة اساليب يذكرها القرآن الكريم والسنة النبوية الشىريفة وهي :



1 : صفة الرحمة الالهية وهي نوعين كما ذكرها القرآن الكريم الرحمة الالهية العامة التي تعم كل المخلوقات برها وفاجرها ودوابّها ونباتها وجمادها وكل شيء في الوجود في الحياة الدنيا . والرحمة الالهية الخاصة التي تخص المؤمنين في الدنيا والآخرة , وأقدم شاهدا من تفسير الأمثل للقرآن الكريم :



(المشهور بين جماعة من المفسّرين أنّ صفة (الرحمن) تشير إلى الرحمة الإِلهية العامة، وهي تشمل الأولياء والأعداء، والمؤمنين والكافرين، والمحسنين والمسيئين، فرحمته تعمّ المخلوقات، وخوان فضله ممدود أمام جميع الموجودات، وكلّ العباد يتمتعون بموهبة الحياة، وينالون حظهم من مائدة نعمه اللامتناهية.) .



وهذه هي رحمته العامة الشاملة لعالم الوجود كافة وما تسبّح فيه من كائنات.



(وصفة (الرحيم) إشارة إلى رحمته الخاصة بعباده الصالحين المطيعين، قد استحقوها بإيمانهم وعملهم الصالح، وَحَرُمَ منها المنحرفون والمجرمون.)


الأمر الذي يشير إلى هذا المعنى أنّ صفة (الرحمن) ذكرت بصورة مطلقة في القرآن الكريم ممّا يدل على عموميتها، لكنّ صفة (الرحيم) ذكرت أحياناً مقيّدة، لدلالتها الخاصة، كقوله تعالى: (وكان بالمؤمنين رحيما ) وأحياناً اُخرى مطلقة كما في هذه السّورة.

وفي رواية عن الإِمام جعفر بن محمّد الصادق (عليهم السلام) قَالَ: «وَالله إلهُ كُلِّ شَيْء الرَّحْمنُ بِجَمِيعِ خَلْقِهِ، الرَّحِيمُ بِالْمُؤْمِنينَ خَاصَّةً».

يمن جهة اُخرى، كلمة (الرحمن) اعتبروها صيغة مبالغة، ولذلك كانت دليل آخر على عمومية رحمته.


واعتبروا (الرحيم) صفة مشبّهة تدلّ على الدوام والثبات، وهي خاصة بالمؤمنين.
وثمّة دليل آخر، هو إنّ (الرحمن) من الأسماء الخاصة بالله، ولا تستعمل لغيره، بينما (الرحيم) صفة تنسب لله ولعباده.
فالقرآن وصف بها الرّسول الكريم، حيث قال: ﴿عَزِيزٌ عليه مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عليكم بِالْمُؤْمِنينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾.


وإلى هذا المعنى أشار الإِمام الصادق (عليه السلام) ، فيما روي عنه: (اَلرَّحْمنُ إِسْمٌ خَاصٌّ بصِفَة عَامَّة، وَالرَّحيمُ عَامٌّ بِصِفَة خَاصَّة». انتهى ) .



2 : الامهال : ان الله يمهل ولا يهمل , وهذا دليل على رحمة الله على العاصين حيث يمهلهم من فضله واحسانه ولا يؤاخذهم بذنوبهم ويعطيهم الفرصة للتوبة والندم والاستغفار كما قال تعالى (قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم ) وقال تعالى ايضا (استغفروا ربكم انه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم باموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم انهارا) , ان الله سبحانه امهل الكفار والمنافقين والمذنبين , وجعل في الزمان اوقاتا يستطيع العبد استغلالها فيدعو الله بقلب مخلص لله فيستجيب له الله كما قال رسول الله (ص) (ان لكم في ايام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها ) والمقضود بالنفحات اوقات الدعاء المستجابة مثل وقت السحر ووقت الأذان وأوقات شهر رمضان المبارك وشهر شعبان ورجب وأيام الحج وخصوصا يوم عرفة وليلته فالدعاء فيها مستجاب . كما قال رسول الله (ص) اذا لم يغفر للعبد في ليلة القدر فالينتظر الى ليلة عرفة ليعو الله بقلب منكسر حزين لعل الله يغفر له ويرحمه .



3 : العودة الى الله سبحانه بعد الانغماس في الملذات والمعاصي يعود تائبا مستغفرا منيبا مذعنا معترفا لا يجد مفرا مما هو فيه غير الاعلان والاعتراف بذنوبه والاخلاص بتوبته وعودته الى الله سبحانه وينقل انه كان شابا من بني اسرائيل معروفا بزهده وعبادته وابتعاده عن المعاصي منذ صغره وعندما اصبح بعمر الثلاثين سنة وصاحب اهل المنكر انحرف عن الطريق نعوذ بالله وبعد حوالي عشرين سنة جلس مع نفسه ليحاسبها وتذكر ايام كان مؤمنا مخلصا متجها بكله الى الله سبحانه بكى كثيرا على تلك الايام الجميلة التي قضاها بالعبادة , (واذا به يسمع هاتفا يقول له ان رجعت قبلناك وان تبت تبنا عليك! ) فنهض الرجل واستغفر ربه واناب اليه وعاد الى الله يعبده ويوحده بعد ان نفض غبار الضلال والانحراف , وهكذا كان الله معه لطيفا وهذا يدل على محبة الله لخلقه كلهم حتى العاصين يوفر لهم سبل الرحمة والفرصة للعودة الى الله عز وجل .



4 : الاستغفار والتوبة : قال رسول الله (ص) ان الله يفرح لتوبة عبده اشد من فرح الضال الواجد او الضمآن الوارد او العقيم الوالد ) ان الله سبحانه كما حدثنا في القرآن الكريم ( ان الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ) . وان التوبة منزلة كبيرة في الجنة وهي منزلة التوابين . وان محبة الله للتوابين تكفي عن كل محبة وان كانت درجات الايمان والاخلاص كثيرة .



5 : التوحيد والعبادة والطاعة لله وحده لا شريك له , ان الموحدين والمؤمنين بالله وبرسوله والأئمة من بعده ان الله يغفر لهم اذا كانوا منغمسين بالذنوب والمعاصي ويجازيهم العذاب في الدنيا كالامراض والفقر والابتلاء او يتعرضوا للعذاب عند سكرات الموت او في القبر او عند الحساب (وهنا تدخل الشفاعة ومفهوم الشفاعة واسع لا استطيع الخوض به في هذه السطور) ليدخلوا الجنة آمنين مطمئنين انشاء الله , ولا اريد ان اخوّف احدا فان رحمة الله راسعة لعلها تشملنا ولا نتعرض للعذاب ان الله غفور رحيم ( اللهم ارحمنا في الدنيا والآخرة ولا تؤاخذنا بذنوبنا انك انت التواب الرحيم) .



وفي الختام اقول هل يصغي الدواعش الارهابيون الدمويون لصوت الحق ؟ هل يسرعوا الى التوبة والمغفرة ؟ كما قال تعالى ( وسارعوا الى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والارض أعدت للمتقين ) وليس للارهاب ولا الى داعش القتلة والبعثية الناعقة ورائهم وذيولهم وببغاواتهم لعنهم الله جميعا ان لم يهتدوا ويقتدوا بعامة المسلمين المسالمين .



ايها الدواعش كفى قتلا بالابرياء , كفى تهديما بالمراقد المقدسة , كفى عبثا بتراثنا وحضارتنا التي شيدها الابطال من الاجيال الماضية . انكم تعلمون جيدا ان عمر الظالم قصير وبات اجلكم قريبا جدا جدا انشاء الله كما قال تعالى ( وان غدا من ناظره لقريب) , وسوف ترون ما يلحقكم من عذاب مهين ان الله يمهل ولا يهمل والحمد لله رب العالمين .