عرش الحقيقة كالحسين... الاديب فريد النمر

 






الطفّ طوفانٌ وروحُ جَنانِ= فهلْ انتميتَ لطبْعهِ الإنساني

والطفّ رُكنٌ سادسٌ متفردٌ= في سنةِ الأحزانِ والحرْمانِ

والطفُّ أولُ فكرةٍ روحيةٍ= تجتازُ وعيَ الذاتِ للإيمانِ

والطفُّ مفردةٌ بطعمِ فَجيْعةٍ = في مِعْجمِ الأرزاءِ والأكوَان

فأسكبْ جَنانكَ جُملةً مَجروحَة= بينِ المَعانيْ في لِسَانِ بيَان

واعتقْ بمُهجتكَ اليّرَاعَ مُحمّلاً= ظهرَ القصَيدةِ شُرْفةَ العِرفَانِ

وخذْ الحُسينَ قصِيدَةٌ مَعصُوبَة= نقَشَتْ بقلبِ الغيبِ غَيْباً ثَاني

فعلًى سَناهُ تحُطّ نَافلةِ الأسَى= فيَصُوغَها وجَعاً على اللّمَعَان

وكأنّ جُرحُهُ من سَنابلِ غُربَةٍ= للدِينِ قدْ نَبَتَتْ على الأدْيَان
 
أقسمتُ بالطفِّ الذيْ في تربهِ= انسَكبتْ هناكَ حَقائقُ الأزمَان

إنَّ الحسينَ أضاءَ كلّ حَقيقةٍ= كيْمَا يُعلّقُها على البُّرهَان 

فإن ارْتقى جُرحَ المجرَّة لمْ يكنْ= إلا الضَّميرَ بقمّةِ الخَفقان

فحسينُ أولُ شاعرٍ نسَجَ الهَوى= لُغةً مُحرَّرةً إلى الوجْدان

وحسينُ أولُ عَازفٍ بجراحِه= نَزْفَ اليَقينِ بلحْظةِ اطمِئنان

وحسينُ أكبرُ مُبدِعٌ صَنعَ الإبَا= بدمَائِهِ ويقينهِ الربّاني 

وحسينُ أمّا حِكايةٌ قُدسِيّةٌ =أو سُدرَةٌ في مُنتَهى الذّوَبَان

لمْ أدرِ مَا كُنهَ الحُسينِ لكنّه= كَلِماتُ نورٍ في فَمِ الرَّحمَن 

ألقىْ بهَا فَوقَ الحَقيقةِ فاعْتلى= هامَ الخَليقةِ في دِمَى قُربَان 

ومَشىْ على الخفقاتِ من آمَالِهِ= حَتى ارتوَى أملاً بهِ شُرْيَاني

يَا للفوَانيسِ التّي جَرّبْتها= في دَاخِلي بتَمَائِم التّبيَان

ذهَبتْ وظلّ مَنارُه في اضْلُعِي = نهَمَاً يُساورُني انتمَاءِ جَنَان

وَطَنٌ إذا افترَعَ السّماء بجُرحِه= غنّاه جبْرائيلُ للأوْطَان

وسَما وَغَاديةُ الخّطوبِ خَريْطةُ= البَشَريَّةِ الثكْلى عَلى الحِرمَان

"إيهٍ حسين"
 وَما اسْتَعاركَ ثائرٌ لطريقهِ = إلا تَحرّرَ منْ لظَى العقبَان

يا ثورةَ الوَطنِ الجَريحِ إذا اشْتَكى= عُضوٌ لهُ في الأرضِ بالخذْلانِ

 كنتَ الضَّمَادَ لجرحهِ وهلْ اشْتكى= وَطنٌ إليكَ على افْتقادِ أمَان

مَا أنتَ إلا لحظةٌ عُذريّة= جائتْ توزّعُ ثورَةَ الأغْصَانِ 

يا للظمَى في جَانبيك مُهرْولٌ= أترىْ تنَاسى قلبَكَ الحَرّان 

أم إنّهُ نهرُ الفُراتِ مَعينُه= رَحبٌ يفورُ بصَدرِكَ الرَّيّان 

وبضفتيكَ تؤمّ كلّ خليةٍ= نهريةٍ بطبيعةِ الجَرَيان

كانتْ تَحسّ برَاحتيهِ أَبويّةُ= المَاءِ كَعشقِ الوَالهِ الظمْآن

ولهُ تَحنُّ السَارباتُ من النَدى= وتذوبُ فيهِ نسَائمُ الودْيان 

يا للحُسينِ وقدْ فدىَ بنجُومِه= الأرضَ الكئيبةَ في سُموِّ كَيان 

وسقىْ البَسِيطةَ أقمُراً وكَواكباً= كيْ يَستقيمَ الحبُ والشَفقان

يا وَاحداً منحَ البَقاءَ رَحيلُهُ= بأشدّ جُرحٍ نَازفٍ فَتّانِ

الآنَ تتسِقُ الحَياةُ بكرْبلا= خَلفَ العَذابِ بروعَةِ الهَذيَان

الآنَ تتْحِدُ الجُراحُ بمَتنِها= وتثورُ مُتعبَةٌ من الغَليَان 

الآنَ ينتفضُ الضَّريحُ بطفلهِ =المّغدورِ في مُهجٍ من القمْطان

إيهٍ حسيناً حينَ يشرحُني اللّظى= بعُروجِهِ في نحرِكَ النّورَاني

تمتارُ في قلبيْ انحناءَةُ نبضَتِي= يا سيديْ حتى اعْتلالِ جَنَاني 

وأنا أنادِي أيُ حزنٍ خَالدٍ= أتلعْتُه فيْ لوحَة النّيرَان

مذْ كنتَ تُزجيني بصَاعِ صُمُودهِ= كأساً مُعتّقةً من الأحْزان

كانتْ تُذاكِرُني المَنَائِرُ دمْعةً= مَسْفُوحةً بغريزةِ النسيَان

يا نغمةً للطفّ لمّا افرغَتْ= رئتايَ كُنتِ خُلاصَةَ الأشْجَان 

ذكراكِ أوْدية السّماءِ بمُقلتي =صَبت لواعِجَها من الأجْفان

وتنَاسلَ الوَجعُ المُذابُ بأضْلعِي= يَمتَصُّ كُلَّ حَرائقِ الشّطآن

مازالَ يعْصُرني الصّدى مِن قسْوة= السّيفِ المُضللِ في يَدِ الطوفَان

فأحِيرُ في غضبِ الظّلام وسِربِه= في دَورَةِ الغَثيَانِ والطغْيَان

يا للطفوفِ وأيّ سيفٍ أرْعَنٍ = قطعَ إتصَالَ الوَحيِ بالقرْآن

يا للطفوفِ إذا الرّماحُ تجَشّمت= حَمْلَ الضّياءِ لغربةِ الجّثمَان

من أينَ ليْ بقريحَةٍ مشْحُونةٍ= بشعُورِها من عقدةٍ للسَاني

أأغني هَذا الشعرَ بين صَبَابتي= يَا أيّها المنْحُوت في قضْبَاني 

أمْ أسقطُ الهَمسَاتِ من قامُوسِها= كي يَستَجِيرَ الحُزنُ بالأوْزَان 

لمْ يتسعْ مَعنى هُناك بمعْجَمي= كيْ أنقشَ الطّعناتِ بالغُفرَان 

نَفسِي باسْمكَ يا حُسينُ قلعْتُه= في مَصْرعِ التَنزْيلِ والتبيَآن

وكتمتُ صوتاً شاحباً في خلسةٍ= أخفيتُها عنْ نَظرةِ الصَيوَان

ما زالَ في الطفِّ الجَريحةِ مُتعَبٌ= يبكيْ كنائِحَةٍ بصَوتِ أذَانِ 

ما زالَ في الطفّ الجَريْحَة زَيْنبٌ= تنعَى الحُسَينَ بقلبِها الوَلهَان

مازالَ للطفلِ الرّضِيعِ وِسَادَة= مُحشُوَّةً بأمُومَةِ التِّحنَان

فخُذوا الخِيامَ المُحْرقاتِ مَدائِناً = للغَيبِ فيْ قَدَرٍ منْ الأشْجَان