وعي الواجب |
بين لحظة وأخرى يعترض مواطنون على تجاوز ارتكبه موظف في الدولة أو رجل أمن أثناء أداء واجبه، وبالتأكيد إن اعتداءً من هذا النوع سيلقى ردود فعل مختلفة، وبحسب آلية نقل تفاصيل الحدث ووسيلة تداول الخبر، ومساحة ووعي هذا التداول، وطريقة استثمار الواقعة، والترويج لقضية معينة فيها، وهي حسابات تتطلب تعاملا حذراً، وبالطبع إن أكثر الجهات التي تعمل هذه الأيام و بشكل حثيث ليل نهار هي الجهات الأمنية، ومن يعمل أكثر، يتعرض لحدوث الخطأ أكثر!. وتلك قاعدة حياتية يمكن إدراكها بسهولة ضمن سياق المعاش واليومي، وفهمها يفرض المراعاة والحيطة والدقّة في النظر إلى الأخطاء وتشخيصها، ومعاينتها بخصوصية، دون تمييز بين إنسان وآخر، لكن طبيعة عمل بعض الجهات مثل الصحافة والإعلام تشترط فهماً استثنائياً على اعتبارها حالة خاصة، يجب أن توضع في جهة المحصّن ضمن حياة اجتماعية وسياسية نريد لتحولاتها الديموقراطية أن تكون أكثر انتظاماً وانضباطاً. إن وعي العمل وإدراك أسسه مهمة وظيفية يتحمل المكلف بالواجب معرفتها والتثقيف بها، والالتزام بتفاصيلها، كمدرك مهني، ولترسيخ مفهوم الوعي بالقانون بصورة عامة. ولعلّ الكلام والتنظير عن هذا الموضوع لا يصف حجم التداخل في المسألة، خاصة حين يتعلق الأمر بالقضية الأمنية وتشابك ملفاتها، وهي ليست مشكلة آنية، بل هي نتيجة لتراكم طويل، كان على الدولة أن تضعه كهدف لجعل هذا الوعي ضمن منظومة برامجها في التعليم والإرشاد، فالتجربة أثبتت إن حجم الإنفاق باتجاه التوعية سيعدّ وفق الحسابات المادية والمعنوية مكسباً مهما، لإسهامه الفاعل بالحد من التجاوز على القوانين، وتحفيز الوعي القانوني المبكر، وبالنتيجة جعل التفاعل مع القانون أمراً مشاعاً ومدركاً وتاماً في غايته، فالقانون في الدولة المدنية لا يتعدى كونه أداة تنظيمية للحياة، مختصرة بقواعد تجيز أو تحدّ العلاقات والحقوق بين الناس، وبين الدولة والأفراد، وبالطبع لابد أيضاً من تنصيص يوضح شروط العقوبة، لإحقاق الحق والعمل بالواجب. لعلّ أدق ما يميّز مجتمعاً عن آخر، ما يختصره حجم الوعي القانوني ومدى الالتزام به، وبالنتيجة سيكون لوعي رجال الأمن والقانون بواجبهم أهمية كبرى، فهم لا يمثلون أنفسهم في لحظة الواجب، بل يمثلون منظومة الدولة، وعليهم تقع المسؤولية الاستثنائية الأهم. لذا يتوجب تحسين سبل الوعي القانوني لديهم بموازاة تعريف المواطن بسقف واجبه وحقّه، وإمكانية تأثيره في صنع القوانين وتغييرها عبر الاحتجاج والاعتراض على هذه القوانين، ومن خلال بوابات المجتمع المدني أو وسائل اتصاله بجهات النفوذ المسؤولة عن هذه القوانين وبالوسائل المعتبرة. وأبعد من وعي الواجب، ربما يتوجب على جميع الوزارات المعنية بالموضوع إصدار ملاحق تتعلق بالإجراءات وردود الفعل وإيضاحها، وفتح دورات تثقيفية لمختلف كوادرها تعزيزاً للوعي، وتحقيقاً للإلمام الوظيفي العام.
|