اللحظة (الشيعية) المقبلة!

 

وفق الخارطة الجديدة للشرق الأوسط، فأن اغلب الأراضي الغنية بالنفط ستقع تحت أرجل "الشيعة". ربما هذا لا يهم كثيراً في الأعوام العشرة المقبلة، فالتقديرات الأميركية تؤكد أن الولايات الزرقاء والحمراء ستصل إلى الاكتفاء الذاتي بفضل سياسات التخزين العملاقة، والاستخراج الصخري، والحقول الجديدة في الآسكا والمكسيك. لذا ما يهم هو إعادة "التموضع".

الانفجارات القاسية في النظام السياسي الشرق أوسطي، أدت إلى انهيار منظومة المُثل والاستراتيجيات العربية بعد العام 2011. الحكومات السابقة والتي تعد من مخلفات الحرب الباردة، باتت "خارج التاريخ" وعليه فأن "التموضع" السابق انتهت صلاحيته بالكامل، ولعل "المملكة النفطية السعودية" صنفت على اساس ذلك اميركياً منذ "صولة الملك فيصل" العام 1974. "وحسب الأرشيفات الأميركيّة، لم تكن حكومة الولايات المتحدة مقتنعة بأن المملكة السعودية تمثّل حليفاً يمكن الاعتماد عليه، لا لنقصٍ في ولاء الحكام السعوديّين، بل لأنّ الإدارة الأميركيّة (خاصّة في عصر الثورات والانقلابات الجمهورية) كانت ترى أنّ النظام الملكي السعودي هو (خارج التاريخ) ولن يلبث أن يلحق بنظيريه في مصر والعراق، وأنّه لن يكون قادراً على مواجهة تحديات الحداثة بنظامه العائلي وإدارته البدائية وتزمّته الديني".

صدق أو لا تصدق، ان خطة إعادة "التموضع" الجديدة، ستدعم صعود "الشيعية" في المنطقة ككل، ما حصل في العراق سيتكرر على كامل الخارطة (الشرق خليجية). استطاعت الولايات المتحدة أن تستفز التعصب الكامن في المذهب السُني. فأنتج "الجهادية العالمية"، لذا فأن المعادل الموضوعي الوحيد لملء فراغ مرحلة انهيار "الظاهرة السُنية" المقبلة هو احلال البديل الاقتصادي والسياسي المقموع و(المعتدل!).  في العام 1979 بدا آية الله العظمى "الخميني" وريثا طبيعيا وطازجا لإيران، فالشيعية الإيرانية تختلف تماماً عن نظيرتها العربية، فالثورة حصيلة بناء رصين من رجال دين و"بازار" وارث سياسي. بينما الحال يختلف عراقياً وسعودياً، فالشيعة كانوا مقموعين من قبل قياداتهم الحوزوية. غارقين في الانتماء المذهبي وفكرة الخلاص المهدوي. فلم يكونوا سوى مجموعات بشرية كبيرة تشعر بالنقص الدائم إزاء حجمها.

التفكك المقبل في المنطقة سيكون لصالح صعود المقموع. منتصف العام 2011 كان العالم ينتظر تسوية تاريخية كبرى في المنطقة، الملك عبد الله والأسد يجتمعان في دمشق ويطيران سوياً إلى بيروت، ويعودان مجددا إلى دمشق. التسوية هو نزع الصراع من جذوره. يومان فقط وتنهار التسوية! السبب ان واشنطن فرضت شرطاً صادماً على السعوديين، حينما تتم هذه التسوية، عليكم الانسحاب الى الخلف وتشرعوا بتفكيك كل الإرث السيئ من جماعات جهادية، وسياسة وصاية مريضة وتفكير خامل. لن ننتظركم كثيراً. هنا فضّلت الرياض شأنها كل مرة ان تلعب دور الحليف لما تريده واشنطن، وافقت على تفكيك التسوية، وحافظت على نهجها "الافغاني" المعتاد. الان يبدو  المشهد صادما بقسوة. كانت الحرب السورية هي النقطة القصوى لاختبار قوة التحالف الشيعي في المنطقة. اختبار عنيف لقوة التعصب الكامن في العقل الشيعي. ما رَشَحَ هو ان الولايات المتحدة كانت بحاجة الى "شهادة جودة" لبيان صحة تقديراتها المستقبلية. 

يمتد المحيط الشيعي المستقبلي، من اليمن، البحرين، المنطقة الشرقية (وهي اكبر الأقاليم السعودية وأغنى منطقة نفطية في العالم)، الكويت، العراق، لبنان ، إيران، أذربيجان، وصولا إلى باكستان. الحراك الشيعي ما عدا العراق وإيران والبحرين وجنوب لبنان، لا يبدو ناضجاً، والحلقة الأهم في إعادة "التموضع" الجديد، خلق كيانات شيعية تجفف منابع "الظاهرة الجهادية" وتخنقها في الصحراء محاطة بحزام شيعي – سني معتدل. فيما ستظل ايران محتفظة بنموذجها "الخاص" بها. وحين تصحو الذات الشيعية العربية فأنها ستنفصل بـ"الضرورة الوطنية" عن المشيمة الايرانية. المرشد سيكون ملكاً دون تاج. فيما الدويلات الشيعية، ستبحث عن نموذجها الليبرالي، وحينها ستكون إيران أمام اختبار هوية حاد. في تلك اللحظة المقبلة والتي لا يمكن تعيين تاريخ محدد لها ستتفكك المنظومة لصالح قيام "شيعية جديدة" ترفض "ولاية الفقيه". 

الدور المحوري في لعبة التوازنات المقبلة، هم الشيعة العراقيين، اذا لم يعملوا منذ الان، مستفيدين من نتائج الحرب السورية سياسياً، في ظل التقارب الأميركي – الإيراني، ودخول التنين الصيني الهادئ كأكبر مستثمر نفطي في العراق، بقيمة 850 مليار دولار على مدى البعيد، وعودة الدب الروسي الى الواجهة، على انتاج "ليبرالية شيعية" قائمة على أساس الأغلبية الحاكمة وتمثيل الأقليات بشكل عادل، فأن العراق سيكون مرة أخرى فريسة تجاذبات. الولايات المتحدة لن تتحمل مسؤولية المنطقة. هي باتت الآن أكثر من أي وقت مضى مؤمنة بـ"سياسة الشركاء". حتى نظرية "عالم متعدد الأقطاب" البائسة التي طرحت عقب تفكك الاتحاد السوفييتي، لم تكن واقعية حينها. فالولايات المتحدة تريد الان أن تنسحب بهدوء، وتكتفي بدور مشارك في ادارة العالم.

الشيعة عبر العالم، سيوفرون لجميع الشركاء الجدد، نوعا من التعقل. وإذا ما ذهبت النوايا نحو اعلان حل الدولتين بشكل جدي على ارض فلسطين، فسيتم نزع فتيل "الازمة" بين ايران والمجتمع الدولي.