الإذلال بطعم النفط

 

ما لا يعرفه الكثير من العراقيين عن عقود الشركات النفطية في جولات التراخيص النفطية في البصرة خاصة يعرفه القليل منهم من العاملين في الشركات تلك، بل ويتذكر البعض منهم النداءات التي كانت توجهها نقابة النفط والخبراء النفطيون والخاصة بتفاصيل العقود التي أقل ما يقال عنها أنها كانت مذلة ولا تنصف العامل العراقي، الذي لا يتمتع بأدنى حقوقه والذي يتعرض للطرد وفسخ عقد عمله عند ارتكابه أقل خطأ مقصود وغير مقصود، بل ما يتمتع به العامل والفني الوافد مع الشركات من جنوب آسيا وأفريقيا وشرق وجنوب شرق آسيا أكثر بكثير مما يتمتع به ابن البلد، صاحب الأرض ومالك الثروة.

كانت شركة بيكر هيوز النفطية الأمريكية-البريطانية التي تتخذ من منطقة الرميلة مقرا لها وتعمل في حقول غرب القرنة والزبير وكردستان قد أنهت قبل شهرين عقد ثلاثة عمال عراقيين بصريين، انتدبتهم الشركة للعمل في أحد الحقول بأربيل، أنهت عقدهم لا لسبب إلا أنهم تركوا مقر عملهم هناك بعد مضي قرابة الشهرين فيه دون السماح لهم بزيارة ذويهم، حيث اضطروا لمغادرة موقع العمل والتوجه للبصرة، لم تصدر بحقهم عقوبة إدارية من التي كفلها القانون العراقي إنما تعاملت الشركة معهم بموجب قانونها الذي عطل القانون العراقي وأخرجه، حيث بدا ان الشركة وقعت عقدها مع وزارة النفط العراقية باستبعاد التعامل مع القانون العراقي، وهكذا يصبح الكادر العراقي العامل في الشركة خاضعا لقوانين الشركة وغير محمي بالقانون العراقي، وهذا ما يؤكده خبراء وحقوقيون عراقيون. على العكس من بنود العقود الموقعة مع الشركات النفطية الاجنبية في السعودية ودول الخليج حيث يكون القانون الوطني هو المرجع في حل النزاعات التي تحدث بين الشركة وكادرها المحلي.

تفيد الاخبار بان مسلحين بصريين هاجموا مقر شركة بيكرهيوز في الرميلة أمس وعبثوا في مكاتبها وأوقفوا العمل بل منعوا العمال من الدخول إلى مواقع العمل لأن أحد كبار موظفيها منع تعليق راية الحسين على بوابة الشركة، أو أنه أنزل الراية واحتفظ بها في مكتبه مما أثار حفيظة العمال العراقيين ورجال الحمايات الخاصة الذين استنجدوا بعناصر مسلحة قيل أنها من جيش المهدي الأمر الذي أضطرت معه اللجنة الأمنية في الحكومة للتدخل، وهناك مطالبات شعبية بفسخ عقد العمل مع الشركة ومطالبات اخرى بتقديم احد الموظفين الأجانب الذي أقدم على تمزيق الراية للمحاكم العراقية.

يقول عراقيون عاملون في الشركات النفطية بان لا كرامة لهم هنا، وهم غير محميين من القانون العراقي، وأنَّ تعسف الشركات ضدهم يفوق الوصف لكن الحاجة للعمل والراتب المعتدل الذي تحسنت معه أوضاع حياتهم يضطرهم للعمل تحت الجور هذا، على الرغم من ان ما يتقاضاه العامل الأجنبي العامل في نفس الدرجة الفنية يفوق بكثير ما يتقاضاه العراقي، وأن أقرانهم من العاملين العراقيين فقدوا وظائفهم لأسباب تافهة، وهم لا يتمتعون بأي ضمانات ضد حوادث العمل التي قد تحدث لهم، والسبب الرئيس في ذلك خضوعهم لقوانين العمل في الشركات الأجنبية، وان الحكومة العراقية لم تفكر بأوضاعهم خلال توقيعها عقود العمل مع الشركات تلك، بل لم تأخذ بالحسبان مشاعر العراقيين ووضعهم الاجتماعي-الديني في مناسبات مثل العاشوراء ورمضان وما حدث في شركة بيكر هيوز قد يحدث في شركة اخرى ما لم تعمل الحكومة على مراجعة قانونية لصيغة العقود النفطية تلك بما يضمن حقوق العاملين العراقيين ويعزز من كرامتهم ويحترم مشاعرهم.