مـتـى تـنتـهــي مَـظـلـومـــيّة ( الشيعـة ) أذن ...؟؟؟

 

 

 

 

 

 

 

لم أكن أرغب في تناول هذا الموضوع في هذا الظرف المأزوم و المـُـتفجـّر ...! و لكن خبر صغير نـُـشرَ يوم امس حرّك هذا التساؤل ... يقول الخبر : (( سـفيرة أستراليا في العراق ( ليندل ساكس ) تقول من الناصرية : أن عدد المُهاجرين العراقيين الغير شرعيين الى استراليا في العام الماضي بلغ أكثر من ألف مهاجر ... 200 مهاجر منهم من الناصرية .. و 600 مهاجر منهم من باقي محافظات الجنوب العراقي ...!!! )).

يعني 800 مهاجر من مجموع الألف كانوا من جنوب العراق ...!! و هذا الحال يـُجبرنا على طرح سؤال مهم : لماذا يترك هؤلاء المواطنين بلدهم و يــُجازفون بحياتهم ثم بأموالهم وهـُم ذاهبون الى المجهول على أمل أن يـُــلاقوا الفردوس في مكان بعيد عن بلدهم .. و بعد أكثر من عشر سنوات تحت ظل حــكومـة ( شيعية ) ...!!!

مالذي يـُجبرهم على ذلك غير أنسداد الأفق امامهم او بالأحرى ظلام الأفق كما يرونه ..!

لا نريد أن نــُسهب في توصيف حال المحافظات الجنوبية و الوسطى من النواحـي الأمنية و الخدمية و الأقتصادية و الأدارية و الأنسانية .. فقد أصبح تردّي هذه النواحـي واضحاً و ملموساً للجميع .. وما مجزرة الحلـّة التي حدثت قبل أيام ألاً دليل كافي على الفشل الذريع في حماية أرواح المواطنين ..! كذلك تكـفي زيارة واحدة لمحافظة السماوة مثلاً .. تكـفي لكي نشهد حجم الخطيئـة التي أرتكبها ساسة الشيعة بحق الشيعة قبل غيرهم ..!

 

أسـقاط النظام الديكتاتوري كان على يـد قوات الأحتلال الأمريكـي عام 2003 .. و ليس على يـد أحـد آخــر مـُجاهد أو غير مـُـجاهد ، سياسي مـُعارض من الخارج أو من الداخل .. و لا يتصوّر أو يتصرّف أي أحد من هؤلاء السادة المجاهدين و المعارضين على أساس أنّ لـهُ أية مـنـيـّـة أو فضل على الشعب العراقي أو الشيعة بالذات ، بأن جهادهم و معارضتهم هي التي أسقطت النظام السابق ..! و أعـتقد أن معظم العراقيين قـد كشفوا هذه المـُزايدات و الأدعاءات و الـتي يــُراد منه تبرير التشبـّت بالسلطة و مغانمها ..!

 

بعد 2003 ضـجَّ الخطاب السياسي و الأعلامــي بمفهوم ( مظلومية الشيعة ) ..! وأن الأوان قـد آن لكي يُــنصف أبناء الأغـلبية ( الشيعية ) من الظـُلم التاريخـي الذي لـحِق بهم جــرّاء أستحواذ أبناء الأقـليـّة ( الســُـنـّـية ) على الحـُكم و السلطـة و الثروة ...!!

و كان هذا الخطاب أول الخطايا التي ارتكبها ساسة الشيعة بحق الشيعة ... أذ كان يعني في مضمونــه أن على الطرف الأخـر ( السـُـنّي ) ان يـتقبـّـل ما سيجري في قادم الأيام من أقصاء و تهميش و أبعاد عن الحـُكم و السلطة و الثروة ... مما دفع بهذا الطرف ( السـُـنّي ) أن يستنفـر كل أسلحـته السياسية و الأعلامية و المادية ومن ثم العسكرية ، لـخوض معركة ( مصيرية) قادمــة أملاهـا عليه هذا الخطاب الأهـوج والذي دفع البلد و أبنائـه ثمـنـُـه غالياً و أولـهم الشيعـة ...! ولا يــُقلل من موضوعية هذا التوصـيف أن بعض السياسيين السـُـنة قد أنخرطوا في ( العملية السياسية ) كشركاء ...!! أذ كانوا مجرّد ديكورات لتلوين الصورة .. لا سلطة حقيقية لهم ولا صلاحيات مهمة .. حيث تم الأستحواذ تدريجياً على معظم المراكز الحساسة في مفاصل الدولـة من قبل الساسة الشيعة و أحزابهم ...( تناولنا هذا الموضوع في مقال سابق ).

 

لا يمكن لأحــد أن ينكر أن هذه المظلومية حدثت بالفعل في فترات تاريخية معيـّـنة و تحت ظروف و ملابسات معينة ، و أحيانا كانت مقصودة و أحيان أخرى بفعل خياراتهم هم أو الأدق بفعل فتاوى بعض مراجع الشيعة ... وهذا الموضوع شائك و الكلام فيه يطول ...!!

 

و لكن و بعد أن أخـذ ( الشيعة ) فرصتهم التاريخية هذه على يــد مـَـن حملوا رايــة ( الشيعـة ) من السياسيين و الأحزاب اللذين تباكوا سنين طوال على المظلومــية ، و تصدّروا الحـُكم و المسؤولية سواءاً في المركز أو في المحافظات الوسطى و الجنوبية .. أذ على حــد علمي لم يتسنـّـم محافظ ( سـُـنـّي ) مسؤولية أي من هذه المحافظات ...!!

فما الذي جرى لكي يستمـّر الشيعـة تحت وطأة المظلومية ولكن بأيادي شيعية هذه المرّة .. كما نشهد حالياً و كما هو المثال ألذي تناولناه في الخبر المنقول عن السفيرة الأسترالية ...!!!

الخطـيئة الثانـية التـي أرتكـبها ساسة الشيعة و أحزابهم بحق الشيعة ، بعد الأولـى التي أشرنا أليها أعلاه .. هي أنهم وفي غــمرة التكالب على مغانم السلطة و الثروة ، نسوا أو تناسوا حقوق أهلهم عليهم و الآمال و الأحلام التي بناها أبناء الشيعة عليهم في شطب المظلوميات من حياتهم و طموحهم بانهم سيـُـقبلون على حياة جديدة ينعمون فيها بالكــرامـة و الأمان و الحرية و العيش الرغـيد و يأمنون فيها على مستقبلهم و مستقبل أبنائهم .. ولكن ساستهم كانوا في واد آخـر .. أذ قاموا بحملات تسطيح و تضليل للوعي الجمعي للشيعة ترافقها حملات شحن طائفي بغيضة مليئة بالتخويف و الترهيب من أنّ السـنة و البعثيين قادمون لخطف هذه الفرصة التاريخية منكم .. و أنكم ستـُـحرمون من زيارة الأئـمـّة الأطهار – عليهم السلام - و سـتـتـبخـّر كل أحلامكم و أمانيكم .. ألخ بالطبع أنطلت هذه الأكاذيب على الغالبية من الشيعة فانتخبوهم المرة تـلو الأخـرى على أمل أن فيهم من يكون صادقاً و أمينا على تنفيذ وعوده ..!

في هذا الأثناء دخل هؤلاء السياسيين و الأحزاب في سباق محموم و على خطـين متوازيين .. خط أبقاء ( جذوة ) الخوف من الطرف الأخـر في نفوس ( الشيعة ) رافـقـهُ تحشيد و دعم غير طبيعي باتجاه تــزييّن الزيارات لأضرحة الأمـة الأطهار من آل البيت عليهم السلام و كأنها تحدّي للطرف الأخـر و تقول لـه ( نحن هنا ..! ) .. وهنا لابد لـي من أن أشير الى عبارة وردت في الدستور الحالي لفتت أنتباهـي حين قرأت الدستور في 2006 .. حيث جاء في المادّة -43- أولاً : (( أتباع كل دين أو مذهب أحـرار في : أ- ممارسة الشعائر الدينية ، بما فيها الشعائـر الحـُسينية ))

اذ لا يحتاج النص لأضافـة فقرة ( بما فيها الشعائر الحـُسينية ) ، طالما أن الجملة التي قبلها تضمن ذلك ، ولماذا لم تتضمّن المادّة ( الشعائر السنية و المسيحية و الصابئـية و الأيزيدية ) ..! و لكن أضافـة هذه العبارة يـُـشير الى نقطتين : أبراز هذا الحق في أذهان الشيعة و كأنــه هو الهدف الأول و الأخير في حياتهم وبالتالي سـينشغل الناس عن باقي حقوقهم من المُستحقات الأمنية و الخدمية و الحياتية و الأنسانية .. و النقطة الأخـرى تــُشير الى القلق من المستقبل و من الشركاء في الوطن ..!

 

الخط الآخــر و ( المهم ) الذي عملت عليه النـُخـبة السياسية الشيعية المتصدرة للمشهد هو الصراع بينها تارة بشكل خــفي و تارة أخـرى مكشوف للأستحواذ على أكـبر مساحة ممكـنة من كعـكــة السلطة و الثروة .. فزجوا بعناصر رديئة و مـُـشوهه نفسياً و سلوكياً في مواقع وظيفية مختلفة المستويات و العناوين لا يمتلكون أيـة خبرة أو كفاءة لأدارتها بنجاح .. كل كفائتهم أنهم من هذا الحزب أو ذاك و من أحباب هذا السياسي أو ذاك .. المهم ملء الفراغ بأي شخص كان ، شرط الولاء للحزب أو للسياسي الفلانـي .. وفي ضوء ذلك أضطرب وضع الدولة و خصوصاً بعد أنهيار معظم مؤسسات الدولة و خلوّهـا من عناصرها السابقة .. و دخلت في فوضـى رداءة الأداء و تعدد المسؤوليات و تعدد مصادر القرار و غياب أية برامج تنموية حقيقية .. أنتج هذا الوضع فساد مالي و أداري متوحش أنـبـَـت أنيابـه في جسد الدولة ليتحوّل الى سرطان بات من الصعب أستئـصاله بدون خسائر دامـية ..!

هذه الصورة المأساوية ولـّـدت أنطباع عام بأن الشيعة لا يصلحون لأدارة الدولـة و أنهم فاشلون و عاجزون بامتياز و لصوص بامتياز ...!! فهل هناك خطيئة أكبر من هذه أرتكبها هؤلاء الساسة بحق الشيعة أولاً و بحق العراقيين عموماً ...!

 

أذن تحت أي ظرف أو فرصــة سيتحقق للشيعة ما يطمحون أليه من حياة كريمة و رغيدة و مستقبل آمـن ..؟ بحيث لا نـعـُد نسمع عن ضحايا يـُـذبحون يومياً بالأرهاب المجرم الأعمى .. ولا نسمع عن شباب يهربون من بلدهم الى رحاب الأرض ...!!

 

الظرف مؤات الآن لكل أهلنا من الشيعـة أولاً و من السنـّة و باقي تلاوين الشعب العراقي الجميلـة ، في أن يقفوا وقفـة شجاعـة و بأرادة قوية لتصحيح المسار الأعـوج و البائس خصوصاً أن المرجعيات الدينية الشيعية قد اعطت الضوء الأخـضر للتغيير .. من خلال تحكيم العقل و المصلحة الوطنية في اختيار المرشحين في الأنتخابات البرلمانية القادمــة .. دون النـظر الى خلفياتهم الطائفية أو العشائرية أو الدينية أو القومية ... بل النـظر الى كفاءاتهم و قدراتهم و سيرتهم الأجتماعية و نظافــة يدهم ... و بهذا فقط نستطيع تجاوز الخطايا و الأخطاء التي ارتكبت في العشرة سنوات الماضية .

 

يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام : (( يـأتـي زمان لا بالقليل يـقنعون .. ولا بالكثير يشبعون ..هـمّـهم بطونهم .. و دينهم دنانيرهم .. و قبلـتهم نسائـهم ...!! )) ... و لـعمـري أن أبا الحـَـســنيـّن كان يــُشير الى من تحدّثـنا عنهم .