معالم مرحلتين

 

ليس بالضرورة ان يتجاوز الرقم حاجز الخمسين في المئة او اكثر ليعتبر الامر ظاهرة . يكفي ان يكون الرقم مؤثرا في حركة المجتمع لنعتبر ذلك ظاهرة تستحق الاثارة والدراسة . عرف الشعب العراقي – تاريخيا – بانه شعب متمرد على الأنظمة . والانظمة هنا كلمة عامة قد تعني الدكتاتور او الطبقة السياسية الحاكمة او القانون ووسائله . ومن أسف اقول ان هذا التمرد وهو تأريخي - كما اسلفنا - ترتفع وتيرته مع ضعف النظام الحاكم وتتضاءل حد الذوبان مع وجود حاكم بحجم الحجاج بن يوسف الثقفي او وريثه الشرعي الذي فاقه بطشا وامعانا في الاذلال صدام التكريتي . " في كل كتاباتي اتجنب ذكر اسم حسين بعد صدام" . بدءا من قيادة الامام علي "ع" الذي مارس من العدل الاسطوري ما دفع الاخرين الى اتهامه بالضعف ، وحتى النظام الحاكم في العراق مابعد تغيير 2003 ، سلسلة من الدفع والجذب بين الحاكم والمحكوم . الحجاج وهو من صادرات الحجاز النفيسة للعراق والذي لقبه مؤرخون بالمبيد او المبير والذي يعود اليه الفضل في تأجيل انهيار الدولة الدموية ، هو صاحب القسم المشهور في اول خطبة : والله يا أهل العراق إني لأرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها ... ثم : وإنما أنتم كما قال الله ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار" ولم ينتظر طويلا ليقطف الرؤوس اليانعة والشجرة الخبيثة !!! الحجاج هذا الذي وصف العراقيين بانهم أهل الشقاق و النفاق ومساوئ الأخلاق ، والذي ساس البلاد عقدين مريرين من الزمن ، مات في مثل هذا العام الميلادي قبل الف وثلاثمئة عام بالضبط بسرطان المعدة كما يروي المؤرخون، ما يعني ان شعرة من مفرقه لم تهزها المقاومة الشريفة . قبل خمسة وثلاثين عاما قفز الى السلطة في العراق حجاج بصيغة عصرية ، حيث انابيب النفط تمتد تحت قدميه واحواض الاسيد تعطر اقبيته المرطوبة والنجوم تطرز كتفيه المثقلتين ، في سابقة لم تحدث و اظنها – وأتمنى ان – لن تحدث ثانية . كانت بوادر كارثة تحوم في الافق ، فاذا بها كوارث تراكم بعضها فوق بعض غيبت على اثرها الملايين . ومن لم يغيب ، فر بجلده بعيدا عن مواجهة رأس النظام الذي كان يجوب العراق طولا وعرضا ويتفقد قدور الطبخ وينصح المعلمين بالاستحمام ويتباهى بتعليم حفاة المعدان كيفية لبس النعال. وعندما حدث التغيير القسري قبل احد عشر عاما ، فوجىء العراقي وهو المتمرد الذي ربط المؤرخون والمفكرون تمرده بطغيان دجلة والفرات ، بان كل فرص التعبير عن التمرد متاحة له دون رادع من قانون او مانع من ضمير . وكان نتيجة لتلك الحرية المباحة والمستباحة في آن ، ان اختفى النظام خلف اسوار المنطقة الخضراء واصبح صوت حامل مدية طبخ اقوى من صوت الناطق علي الدباغ . وبدلا من جريدتي الثورة والجمهورية اللتين كانتا تسبحان بحمد حامي البوابة الشرقية من الريح الصفراء القادمة من قم وطهران ، انشقت الارض على حين غرة عن الف فضاحية بغدادية ، ومنشور اصفر كالمدى . ترى ، كم هو لئيم هذا الزمن الرخو الذي نعيش فيه ؟ في اقل من 48 ساعة انهى قصي نغل صدام البار حياة نحو الفي سجين راي عراقي ليس بينهم قاتل او زان أو سارق . لم ينبس في حينها ابن قحـ... ببنت شفة ولم تطلق على الجاني رصاصة بندقية "نزار". لكن الدنيا قامت ولم تقعد ، وتنافخ الاعراب شرفا ، حين مارس معتوهون اميركان التعذيب المذل مع عدد من سجناء ابو غريب في اعتداء سافر لم يكن يظهر للعيان لولا الاعلام الاميركي المتخصص بنشر غسيل بلاده . ترى كم اسأنا ونسيء للحرية عندما تتاح ؟ لا ادري بالضبط مقدار الاساءة وأنا جزء منها، لكنني متأكد من ان رب العزة ابلغ حكمة من ان يمنح فرصة اخرى لعبد كفر بانعمه عليه .