هوامش غير معلنه في قصة موت دنيا الحزينة!

أصل القصة او الحكاية ليس من حق احد ان يرويها قبل ان يقول القضاء كلمته، أي قبل ان يكمل التحقيق في القضية وبعدها يتم احالة الاوراق الى المحكمة  المختصة وقبل ان تتلوا المحكمة قراراها والى ان يكتسب القرار او الحكم درجة القطعية والبتات بعد استنفاذه جميع طرق الطعن القانونية والتي لايجوز ايضاً النشرالا بالاشارة بالاحرف الاولى لاسماء الضحايا واطراف الدعوى، هذا هو الاصل والواجب المتبع في أغلب الدول شرقها وغربها، الديمقراطية منها او المخنوقة بالديكاتورية لان حياة الناس وحقوقهم وشكاواهم وقضاياهم وخصوصياتهم محمية بنصوص القانون الذي ينص على القواعد الاساسية في التحقيق والمحاكمة واهمها قاعدة المحافظة على سرية التحقيق الابتدائي الذي الزم كل شخص وصل اليه سر من اسرار التحقيق بحكم الوظيفة او المهنة وكل من له علاقة بالقضية بوجوب المحافظة على سرية المعلومات التي حصلوا عليها بخصوص الجريمة وعدم افشائها الى نهاية التحقيق في القضية واحالتها الى المحكمة المختصة والتي لها ايضاً ولاطراف القضية ان تجعل المحاكمة سرية حفاظاً على خصوصيات واحوال قد يسبب نشرها ضرراً، وبالتالي حتى لا تتحول الى ورقة كسب او محاولة لاثبات الوجود او تصفية الحسابات بين طرف او آخر.

ان ما يجري في اقليم كوردستان بعد كل حادثة قتل او جريمة جنائية وتدخل الاعلام ونقل الصحافة عن امور واحوال ليس لها علاقة او ابعد ما تكون عن الحقيقة وبما يثير الراي العام ويفتح شهية منظمات المجتمع المدني والجمعيات التي تدعي تبينها لحقوق المرأة هو ما يزيد في تشويش الصورة وتشويه الوضع الموجود في الاقليم ويلحق ضرراً كبيراً بسمعة الاقليم ومكانته في المحيط الاقليمي والمجتمع الدولي.

فخلال الايام الماضية نقلت العديد من وسائل الاعلام صورة فتاة قتلت في احدى المدن الصغيرة في اقليم كوردستان ونشرت معها تفاصيل وامور ابعد ما يكون عن مهنية الصحافة وحيادية الاعلام الملتزم الذي سلط الاضواء على الضحية وفتح النار على الجاني واهل الضحية بل وصل الامر الى اتهام الملا الذي عقد الزواج، وربما يصل الامر بهم الى المطالبة بعقاب من شهد او حضر الزواج.

ان الصورة المنشورة للضحية وهي لطفلة صغيرة لا يتجاوز عمرها سبعة او ثمانية اعوام يخالف واقع الحال الذي يقول ان عمرها خمس عشرة سنة وان الصورة المنشورة قديمة، كما ان المسيرات والتظاهرات والمطالبات هنا وهناك وفي اكثر من مكان قد دعى البرلمان الكوردستاني الى تشكيل لجنة تضم ستة نواب زاروا محافظة دهوك لمتابعة قضية الفتاة (دنيا) التي تقول الانباء انها قد قتلت على يد زوجها.

لقد أثارالحادث ضجة اعلامية كبيرة واخذت هذه القضية بعدا شعبياً ورسمياً، لكن لابد من الانتظار حتى يكتمل التحقيق القضائي فيها لغرض التعرف على تفاصيل هذه القضية وتدوين اقوال جميع اطرافها من المدعين بالحق الشخصي والد ووالدة الفتاة، والشهود  وعائلة الزوج وآخر من كان موجوداً قبل مقتل الضحية وما يتطلبه التحقيق من ربط التقارير الطبية الخاصة بالمجنى عليها...التقرير الطبي العدلي الاولي واستمارة التشريح الطبي العدلي والاختبارات والفحوصات المختبرية على اجزاء محددة من الجسم والتي تتطلب وقتاُ لاجرائها في مختبرات مختصصة، والتي على ضوئها يتم الاجابة على عدة اسئلة مهمة ومحددة، مثل ماهي اسباب الوفاة، والوقت الذي ارتكبت به الجريمة، وساعة الوفاة، والاضرار والتغييرات الظاهرة على الجثة واسبابها، والتي تعتبر مهمة وحاسمة في معرفة الاداة التي ارتكبت بها الجريمة ونوع هذه الاداة  (السلاح) وعائديته وهل تم ضبطه ام لا؟ الى جانب العديد من الادلة والقرائن القانونية والقضائية التي تكشف تفاصيل الجرمية مثل هاتف الضحية والجاني واطراف القضية الآخرين والمكالمات الصوتية والرسائل النصية او الصور المتبادلة بينهم والتي ستبين وبصورة واضحة سبب الجريمة وظروفها والجاني واقواله والذي يبقى رغم كل ما قيل وسيقال متهماً بنظر القانون والمتهم برئ حتى تثبت ادانته بمحاكمة قانونية عادلة  حسبما نص عليه الدستور والقانون.

ان التحقيق في هذه القضية في بداياته ومازال مستمرا وهو يسير بشكل قانوني لغرض الوصول الى الحقيقة كما ان الاجراءات التي قامت بها هذه الاجهزة  اجراءات صحيحة وقانونية (وحسب تصريحات اللجنة التي شكلها برلمان الاقليم)، عليه فان ما ينشر ويذاع عن تفاصيل وامور هي ابعد ما تكون عن الحقيقة التي هي هدف وغاية التحقيق الذي تقوم به اجهزة القضاء في الاقليم.

كما ان الدعوات الى معاقبة اهل الفتاة والملا الذي عقد القران هي دعوات عاطفية لا سند لها من القانون حيث ان القانون العراقي يسمح بزواج من اكمل 15 سنة بنص المادةالثامنة/ثانياً  من قانون الاحوال الشخصية النافذ (للقاضي ان ياذن بزواج من بلغ الخامسة عشرة من العمر اذا وجد ضرورة قصوى تدعو الى ذلك، ويشترط لأعطاء الاذن تحقق البلوغ الشرعي والقابلية البدنية).

قصة دنيا حزينة بكل ظروفها وتفاصيلها المعروفة وغير المعروفة، وربما ظروف اهلها وحاجتهم بعد ان اجبرهم الارهاب على الهجرة والنزوح من مدينتهم الموصل والظروف السيئة التي يعيشها المهجرون والنازحون وهو يعانون من نار الارهاب التي تلاحقهم بالتصفية والقتل ونار الفقر والحاجة والتجاهل من الجهات الرسمية والحكومية في الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم، وهم بحق ضحايا هذا الزمن الردئ الذي يشهد مآسيهم واحزانهم ويحولها الى قصص وحكايا تفضحهم وتزيد جراحهم واحزانهم وغربتهم من دون حلول حقيقية لمشكلاتهم التي تمثل احد فصولها قصة دنيا الحزينة والهوامش التي تفضح مواضيع وملفات ومآسي ومشكلات مزمنة بلاحلول او حدود.!

القاضي

عبدالستار رمضان

نائب المدعي العام

اقليم كوردستان العراق