حفلة بكاء

الحرية .. كلمة
هل ثمّة ما يحسدك عليه الآخرون ؟.
قس حاضرك بماضيك تعرف مستقبلك . يكفيك أن تفتح عينيك طويلاً لترى كآبة المشهد ، ستراودك حزمة من الأسئلة المرتبكة المقيمة :
كم في العراق من عسس ، وعسكر ، وجيوش ، وعروش ، وبنادق ، وخنادق ، وحراب ، وأنياب ، وذئاب ، وشطّار ، وعيّارين ، وسلاطين ، وأبطال وهميّين ، وتجار طائفيين ينتجون الكراهية ولا يغسلون قلوبهم من الحقد القديم ، ومخبرين سريّين يفبركون القصص المخيفة ، وكتّاب تقارير يلفقون التهم ، وشهود زور يتفنون في إيذاء الآخر وشطبه من الحياة ، ومزورين ولصوص محترفين يسرقون من الوريد إلى الوريد ، وأقبية وقبور ، وجماجم ونحور ، ينحرونها نحر الأضاحي دون أن يقرأوا على الضحية : بسم الله ؟!.
وكم في العراق من ظلم بلا عدل ، وظلمة بلا نور ، وأوجاع وخيبات ، وأبواق وطبول ومزامير وشعارات مغموسة بالدم ، وأزمات تفتح أبواب جهنم على أزمات أكبر ، وشاشات تبث الويلات ، وأضاح بلا أعياد ، وأجساد بلا رؤوس ، ونعوش بلا جثامين ، وأحزان بلا دموع ، وأشواق بلا تذكارات ، وجامعات تحولت إلى مصانع للعاطلين ، ومكتبات بلا قراء ، ومقاه بلا رواد ، وأحزاب : ( كل حزب بما لديهم فرحون ) ، وقيادات بلا قواعد ، وقواعد بلا قيادات ، ومنظمات مجتمع مدني ما أكثرها ، وزعماء وسياسيين ، لو أن مركزاً للبحوث والإحصاء تكفل بإحصائهم لظهر أن لكل عراقي زعيماً ، ولكل عراقي سياسي ، ولكل عراقي قائد ، ولعل ذاك ما قصده الشيخ علي الشرقي في بيت شعره القائل :
قومي رؤوس كلهم / أرأيت مزرعة البصل ؟!.
وكم في العراق من جوع وجياع ، وفقر وفقراء صاروا قرابين علي مذابح الأغنياء ( ما مرّ عام والعراق ليس فيه جوع ) ، فلا تيّسرت من حيث أنها تعسّرت ، ولا عدلت من حيث كانت ظلمت . بل صار العراقي كالمغدور في ملاقاة الحتف الذي يداهمه كل يوم ، منفيّاً بلا منفى ، مهاجراً بلا نصير ، مسافراً بلا وداع ، يكابد أمواجاً من العذاب مثل تايتانيك ، لينجو بروحه قبل أن يمخر قاربه البحر فيهلك بالحسرة ؟!.
ولا أحد يعلم ما النهاية ، لأنه لا يعلم ما البداية ؟ و ( لم يعد أحد من الموتى ليخبرنا الحقيقة ) كما قال محمود درويش .. ولا أنت أنت ، ولا الديار ديارك .. تفتش عن بغداد في بغداد ، فلا تجدها ، ولا تجد ( دار ميّة ) بالعلياء فالسند ، ولا ( دار عبلة ) بالجواء ، ولا ( دار خولة ) ببرقة ثهمد ، و ( يا دار ما فعلت بك الأيام ) ، و ( يا حبيبي أكلما ضمّنا للهوى مكان ، أشعلوا النار حولنا ، فغدونا لها دخان ) .. وليلى العامرية لم تمزق قلبها سهام الوجد ، إنما مزقته رصاصة من مسدس كاتم ، وكل ما تبقّى منها بقع وخطوط من لحم بشري في مرج بني عامر !.
فأين من عينيّ هاتيك المساءات المبهجة والليالي القمراء ، تتزيّن بحديثنا الأسمار والأشعار .. يكون النوم حراماً ، ويغفو الخليّون حتى الضحى ، حتى ننسى أن البدر يملأ السماء .. أين ؟!.
وكان الجواهري الكبير هو القائل : وشرّ المطافات هذا المطاف !!.