المسكوت عنه ٤.. بين الموصل وغزة.. تسويق

الموصل وغزة تعيشان في خضم مقطع زمني هو الاسوأ منذ عقود، ان لم يكن الاسوأ على الاطلاق، وما يجري فيهما يمثل دلالة على مأزق الانسان في العالمين العربي والاسلامي الذي يتمزق بين دوري الضحية والجلاد.
لن اخوض في أبعاد الازمتين اللذين اجد أنهما، مهما ابتعدت المسارات، يمثلان مظهرين لأزمة واحدة تتشابك خيوطها صعوداً لتتضح في مراكز القرار الاقليمية والدولية، ومن مصاديق ذلك مشروع الشرق الاوسط الكبير وأمن اسرائيل وصراع النفوذ والمصالح الاقليمي، ولكن ما أود ان اركز عليه هنا هو طريقة التعاطي العالمي مع الازمتين.
ففي حين اهتمت الدول الكبرى بالازمتين بشكل كبير، وكثفت من اتصالاتها وتحركاتها لتوجيه كلا الازمتين بما يخدم مصالحها، فإن الاختلاف كان في طريقة تعاطي الرأي العام العالمي معهما.
لقد أثارت أزمة غزة تعاطفاً واسعاً انتج تظاهرات واعمال شغب ووقفات احتجاجية في مناطق عديدة، في مقدمتها عواصم القوى الكبرى، في حين أن الازمة الانسانية في الموصل بقيت في إطار ضيق من التفاعل لم يتجاوز احتجاجات صغيرة لابناء الجالية العراقية في عدة عواصم.
ما هي أسباب هذا التفاوت في ردة الفعل؟
اعتقد، ومن واقع اطلاع مباشر، ان المؤسسات الفلسطينية الحكومية وغير الحكومية وابناء الجاليات الفلسطينية تمكنوا خلال سنوات من صناعة رأي عام مؤيد ومتعاطف مع معاناة الشعب الفلسطيني، فكان كل منهم يمثل صوتاً متجولاً هدفه تغيير القناعات خدمة للقضية، في مقابل ذلك تمزقت الحركة المؤسساتية والفردية العراقية بين توجهات وأهداف مختلفة ومتناقضة احياناً، ليس من أولوياتها الدفاع عن الانسان العراقي، فمن الطائفة الى الدين الى القومية الى مصالح ضيقة جداً تتعلق بالتمويل والسفر، ضاعت وحدة الهدف ووحدة الرسالة، ونقلنا الى العالم خلافاتنا، وضاعت معاناة الانسان العراقي كأولوية تستلزم توحيد الجهود للتأثير في قناعات الرأي العام العالمي.
تلك النتيجة ربما كانت احدى نتائج المحاصصة التي بدأت من مؤسسات الدولة وسفاراتها ووكالاتها الحكومية، وانتقلت الى سفاراتها، وللاسف وصلت الى النشاط المدني.
لا يمكن لاحد ان يزايد على عمق ارتباطنا وتعاطفنا مع قضية غزة، ومعاناة أهلها الكرام جراء العدوان الاسرائيلي، ولكن لنستذكر أن هناك المئات من الشهداء والجرحى في العراق شهرياً، وهناك مئات الالاف من العراقيين النازحين داخلياً واللاجئين في دول عديدة يعانون ظروفاً هي الاقسى، حيث تمارس اخطر انواع الانتهاكات لحقوق الانسان وكرامته، ولنستذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر ما تعرض له المسيحيون والشيعة والشبك في الموصل بوصفهم اقليات، ناهيك عن باقي المكونات الاخرى.
هناك مسؤولية تتحملها مؤسسات الدولة، وتحديداً وزارة الخارجية والسفارات المرتبطة بها، وكذلك النشطاء ومؤسسات المجتمع المدني، ووسائل الاعلام في نقل معاناة الانسان العراقي بوصفه انساناً، والعمل على كسب التأييد العالمي لقضيته وحقه في الحياة الحرة الكريمة.