العراق والغزاة الجدد

غالبا ما توحد المحن والحتوف أبناء الوطن الواحد ليقفوا صفا واحدا بوجه الأشرار والاخطار وحماية الارض والعرض والمكتسبات والمقدسات، لكن في العراق يختلف الأمر، ليس هناك شيء قادر على أن يجمع الفرقاء للعمل سويا من أجل عراق واحد ومستقل، فرقاء لا تربطهم سوى رابطة المكاسب المادية والفئوية ولا يهمهم سوى كم يحصلوا من المناصب والفوائد والامتيازات، لا ينظرون الى شعب يمزق ووطن يحترق ومكونات تباد، في الوقت الذي يقاتل فيه الجندي العراقي الباسل دفاعا عن أرضه وشرفه، يتصارع الساسة على الكراسي غير آبهين بالدماء العراقية التي تراق وبالأرض التي تدنّس وبالحرمات التي تهتك، فأذا كان الوطن وما يمر به من آهات وآلام لا يحرك ضمائر المتصدين للعمل السياسي، فأنّ النتيجة هي الدمار والخراب، واذا كانت الدماء التي تسيل لا تؤثر في وجدان وسلوك الساسة، فأنّ المأزق كبير والهاوية قادمة، واذا كان المتصدين لا يجيدون قراءة ما في السطور ويعتمدون فقط على المستشارين الأجانب في تقيم الوضع العراقي وافرازاته، فأنّ العراق في خطر حقيقي. لقد مضى على احتلال الموصل وتكريت أكثر من شهر وعلى احتلال الفلوجة أكثر من سنة، ولا تزال الأراضي بيد الغزاة ولا توجد في الأفق خطة سريعة وحقيقية لتحريرها وردع الغزاة ومعاقبة المتعاونين معهم، انّ تأخّر الحسم سيفضي بالنتيجة الى افرازات وخيمة، لعل أولها، هو اعطاء الجناة الوقت الكافي للتنظيم والتدريب والأعداد وتأمين اللوازم اللوجستية، وهذا سينتج عنه ادامة وتوسيع سيطرتهم على مدن وقصبات جديدة. ثانيا، انّ سرعة الارهاب في اسقاط المدن العراقية خلق وسيخلق حالة تعاطف من بعض الحفاة في العالم مع داعش، وبالنتيجة سيرفد ساحتهم بعشرات الآلاف من المقاتلين مما يعقّد الأمور أكثر ويجعل مسألة الحسم بعيدة التحقيق. ثالثا، طول فترة الاحتلال سيساعد على فتح الباب واسعا أمام تدخلات أجنبية وابتزازات كبيرة للدولة العراقية ومساومات لا تصب في مصلحة البلد. رابعا، استمرار الاحتلال سيعمل على تفتيت وحدة الصف الوطني وذلك بسبب الخونة والمتآمرين والمتربصين، وسيكون الاحتلال حالة أمر واقع لا يمكن الفرار منها كما هو الحال في سوريا. خامسا، الابطاء في تطهير المدن والأراضي العراقية سيعمل على استنزاف حقيقي لموارد العراق البشرية والمادية مع تأثير في معنويات الفرد والمجتمع.

اذن لا يوجد أمام العراقيين سوى القتال والاعتماد على أنفسهم والحسم السريع واعادة جميع المدن والأراضي العراقية المحتلة، لا بد من اعادة الثقة والهيبة والقدرة للجيش العراقي الباسل وللجندي المغوار، لم يكن للد واعش غطاء جويا أو أسلحة كيمائية أو نووية ولا حتى صواريخ بالستية أو مدرعات عسكرية، هم يقاتلون فقط ببنادق وهاونات ومدافع وقاذفات بسيطة وملابس رثة، ومن الممكن دحرهم اذا توفرت الارادة العسكرية والوطنية، ووفقا للحسابات الفنية فأنّ العراق لديه القدرة على حسم المعركة ذاتيا وذلك لما يتمتع به من طاقات وامكانيات مادية وبشرية هائلة، لا يحتاج الشعب العراقي الى مشورة من أحد في القتال والمواجه والاشتباك، انّه من أكثر شعوب العالم مراسا للحرب والقتال، قد يحتاج العراق الى مساعدة في القوة الجوية وبعض المعلومات الاستخبارية، ولكن حتى هذه المساعدة من الممكن تجاوزها في القريب وذلك لقدرة العراق على شراء المزيد من الطائرات التي تمكّنه من الاعتماد الذاتي بدلا أن يكون تحت رحمة المعلومة الأجنبية، لكن الشيء المهم الذي يحتاجه العراق هو رصّ الصفوف وانهاء النزاعات الشخصية والفئوية بين الأطراف المتصارعة، وايقاف التناحر على المناصب والمال والجاه والسلطة والوقوف بحزم وبأس لا يلين بوجه دعاة الموت والجناية والارهاب، لا بد للساسة من نسيان الخلافات الجانبية وايقاف الولاءات الحزبية والقبلية والفئوية، وليكن ولائهم فقط للعراق والصلاة موحدين نحو محرابه المقدس.