حماية العملية السياسية

لا يهمني كثيرا من سيكون على رأس السلطة في البلاد , كورديا كان أو عربيا , مسلما كان أو مسحيا, شيعيا أو سنيا, رجل أو امرأة , ولو إني أفضل امرأة لإدارة شؤون البلاد. لا يهمني من سيقود البلاد أبدا بقدر ما يهمني حماية العملية السياسية التي عمادها حرية الانتماء إلى الأحزاب الوطنية, حرية الإعلام, حرية التجمع , وحرية اختيار القيادة. حماية هذه المكتسبات هو الوفاء لجميع شهداء الوطن الذين قتلوا على يد جلاوزة الحكومات العراقية المتعاقبة, و وفاءا للسجناء الذين قضوا السنوات الطويلة بعيدين عن أهلهم ودراستهم وأعمالهم , و أمل في حياة أفضل لجميع العراقيين. نعم هناك العشرات من الدراسات تذهب إلى أن النظم الديمقراطية أكثر كفاءة من النظم الدكتاتورية في إدارة التنمية الاقتصادية. الاقتصاد الصيني لم يتحرر من تخلفه إلا بعد قرار القيادة السياسية بتحويل الاقتصاد الوطني من اقتصاد دولة إلى اقتصاد السوق الذي احد أعمدته هو تحديد الأسعار من خلال العرض والطلب وليس من قبل الدولة.
حماية العملية السياسية هو حماية كرامة الموظف , العامل , الفلاح , الطالب , والتاجر. الموظف الحكومي أصبح حرا في دائرته لا يخاف من تقارير الرفاق ولا يخشى من قراءة جريدة "طريق الشعب" أو "التآخي" أو جريدة "المؤتمر". ولا يخشى النقل التعسفي إلى المناطق النائية بسبب الشك في توجهاته السياسية أو يحرم من الترقية والعلاوات.
حماية العملية السياسية حمت كرامة التجار التي بهذلها النظام الجمهوري والذي حولهم من قيادات اقتصادية جبارة إلى مجرد عطارين , ينتظرون عطف موظفو مصلحة المبايعات الحكومية. وحررت رجال الأعمال من روتين دوائر وزارة المالية والتجارة . وحررتهم من الرشوة المكلفة للضباط الكبار لتمشية معاملاتهم في دوائر الدولة. وأنقذتهم من إزعاجات دفع الرشوات الباهظة لشرطة وموظفي الكمارك الحدودية . وأنقذتهم من وضع الرسوم الجائرة على بضاعتهم وبدون ضوابط قانونية.
العملية السياسة أرجعت كرامة طلاب الجامعات بعد أن انتهكها النظام البائد. اختيار اختصاص الطلاب والطالبات لم يعتمد على معدل الطالب فحسب بل يعتمد أيضا على قربه وبعده عن مؤسسة حزب البعث. هناك الآلاف من الطلاب حرموا من تحقيق أحلامهم التخصصية بسبب عدم انتمائهم إلى حزب البعث على الرغم من معدلاتهم العالية. العملية السياسية حررت طلاب المدارس من بدعة الطلائع التي بدأت على تحريض الأطفال على ذويهم. وحررت طلاب الجامعات من الاجتماعات الحزبية الأسبوعية لم تكن إلا مجرد اجتماعات أمنية . وحررت أساتذة الجامعات من التقارير الحزبية التي كان يرفعها الطلاب على أساتذتهم. وأنقذت خريجو الجامعات العراقية من قرارات التعين التعسفية. لقد حرم الخريج من حق اختيار مكان عمله ونوع عمله.
العملية السياسة حررت العراقيون من الخوف من ممارسة طقوسهم الدينية والمذهبية. لقد مرت سنوات عديدة والمواطن الشيعي لا يستطيع زيارة قبر الحسين بن علي في أربعينيته, أو ممارسة طقوس عاشوراء , أو ممارسة طقوس استشهاد أل بيت الرسول. وحررت المؤسسة الشيعية والسنية من التدخلات الحكومية . الوقف السني أصبح له الحق قي اختيار من يمثله وليست الحكومة في بغداد. واستعادت المرجعية الدينية هيبتها الدينية بعد أن أهانها النظام السابق.
العملية السياسية حمت كرامة العمال والفلاحين . العامل أصبح له الحرية باختيار نوع عمله ومكانه, بعيدا عن الوساطة الحزبية. وأصبح له الحرية لمطالعة ما يرغب قرأته بدون خوف من الرفاق الحزبيين و مراقبة الأجهزة الأمنية. وأصبح الفلاح حرا من التنظيمات الحزبية والاجتماعات الأسبوعية التي كان احد أهدافها إبعادهم عن دورهم الفاعل في العملية الاقتصادية والسياسية. لقد قاسى الفلاح الجنوبي أقسى أنواع القهر والحرمان على يد النظام البائد بسبب توجهاتهم السياسية .
في ظل العملية السياسية أصبح من حق المواطن اختيار قادته السياسيين عن طريق صناديق الاقتراع وليس عن طريق الدبابات والطائرات العسكرية. وأصبح للعراقيين الخيار في قراءة ما يحبون من صحف ومجلات , بعيدا عن جريدة "الجمهورية" و "الثورة" اللتان كانت تصدران من وزارة الأعلام وحزب البعث . أصبح المواطن يستمع إلى عشرات المحطات الإذاعية ومشاهدة العشرات المحطات الفضائية. وأصبح له الحق في التظاهر ضد السياسات الحكومية , وأصبح له الحق في أقامة المهرجانات ومسيرات التأيد لأحزابهم.
العملية السياسية خلقت متضررين وحساد و ساسة طائفيين . هذا المثلث اللئيم أذاق شعبي الويلات تلو الويلات من أجل القضاء على الدعم الشعبي للتغير. لقد قتل وجرح مئات الآلاف من الشعب العراقي و بأبشع الطرق. ساعدت هذه المجاميع المجرمة دول تدعي الإسلام ظلما وزورا. وهكذا لم يستطع شعبي قطف فاكهة الديمقراطية وأصبح همه هو البقاء على قيد الحياة وأصبح يقرأ سورة الفاتحة على روحه قبل مغادرة داره, وأصبح لا يستطيع الأبناء الخروج من مساكنهم قبل أن تقرأ الوالدة سورة ياسين. لقد خسر الوطن أموال ضخمة على محاربة الإرهاب وبذلك تعطلت التنمية الاقتصادية ونقصت الخدمات الحكومية وزاد عدد العاطلين عن العمل و ظهر الفساد المالي و الإداري بسبب غياب القوانين و نقص أجهزة الرقابة. ولكن يجب إن نتأسى بقول سيد البلاغة علي بن أبي طالب القائل أن عود الصحراء اصلب من عود الخضراء. نعم لقد قاسى شعبي كل أنواع الجرائم المعقولة وغير المعقولة حتى فاقت قصص الرعب . ولكن هذه المحن سوف تخلق عراقا قويا مزدهرا تشرأب له الأعناق. ثمن الحرية باهظ دفعه العراقيون بكل جدارة لبناء مستقبل أفضل.