الشيف (شفيق) في دار الندوة!

تماماً كـ " أليس في بلاد العجائب " ..

و أترك الكلام لشاعر لا يزال اسمه مختلفاً عليه ، لعله " أبو الشمقمق " ،
لعله ، علي أية حال هو يوازي في زمانه " حسين " و " انشراح " بلهجة أهل
زماننا :

إذا حججتَ بمال ٍ أصلُهُ دنِسٌ / فما حججتَ ، و لكن ، حجَّتِ العيرُ

لا يقبلُ اللهُ إلا كلَّ طيِّبَةٍ / ما كلُّ من حجَّ بيتَ الله ِ .. مبرورُ

و ، ما كل من حج دار الظبي مبرور ، أيضاً!

و عليه ، فإن عمرة " أحمد شفيق " في الإمارات ، تلك القبيلة التي أصبحت ،
بالإضافة إلي " مملكة آل سعود " ، ذلك المصرف الخلفي المفتوح علي مصراعيه
لتمويل كل ثورة مضادة ، من المحيط إلي الخليج الفارسي ، نعم "الفارسي " ،
و " طنب الكبري " و " طنب الصغري " و " أبو موسي " فارسية أيضاً ، أقول :

عمرة " شفيق " هي عمرة غير مبرورة ، و غير مقبولة ، إنما هي رياءٌ لا
أكثر ، و لم تغسل أياً من ذنوبه الكثيرة كأحزان المصريين، و سوف لا يثير
غبطة أحد يمر من أمام قصر من قصوره العديدة أن يقرأ علي واجهته : " حج و
زار .. قبر النبي المختار " ..

مع لحظات الانصراف إلي التفكير الهادئ سيندلع حتماً في عقولنا يقين بأن "
الإمارات العربية " في زماننا أصبحت المعادل التام الدوائر لـ " دار
الندوة " في زمان " قريش " ، فكما كان يحدث في " دار الندوة " من تنسيق
المكائد و تربية العوائق في طريق خطر " محمد " المحدق بتراث " القبيلة ،
كذلك ، هناك في الإمارات ، في الظلمة ، أو ما يعتقدون أنها ظلمة ، و هي
ظلمة ذهنية لا أكثر ، تحاك المؤامرات تلو المؤامرات ضد كل ما يحمل شبهة
التمرد علي صيغ الواقع المعتمدة منذ العصر الجليدي ، و هي ، بالطبع ،
صيغٌ تجاوزها العالم و انسحبت إلي ركنها في كل مكان!

يعتقدون ، أنهم ، بهذه الأساليب غير الصحيحة استراتيجياً يحصِّنون الوضع
الراهن من رياح التغيير ، و أنهم ، سيتركون لأبنائهم و أبناء أبنائهم ذلك
الواقع الردئ الذي آل إليهم هم عن طريق آبائهم كاملاً ، لذلك ، هم يحدقون
النظر بعيون حاقدة في مفردة " ثورة " ، و إن ولدت في مكان بعيد ، و معهم
كل الحق ، فلا شك أنه متي استعادت الثورات لياقتها مجدداً ، و تماسكت ،
و هذا سوف يحدث لا محالة ، سوف يحدث لا محالة ، خلال شهور قلائل ، أن
تعصف الريح بتراث العشيرة من كل جانب ، لذلك ، لا يليق بأحد أياً كان أن
يلومهم ، فهم أيضاً ثائرون خاصون لثورات خاصة ، لكن ، لحسن الحظ ، كانت
الغلبة علي الدوام للقانون الأحدث للحياة ، لا القديم ، أو لأكون أكثر
احتراماً للغة تميم ، و للتاريخ ، أقول : القانون الأقدم للحياة ، فمما
لا يحتاج إلي الوقائعية للحكم علي صحته ، أن الحكم القبلي هو أقدم أساليب
الحكم التي عرفها الإنسان !

من الجدير بالذكر ، و مما لا يعرفه الكثيرون ، أن " دار الندوة " لعبت
دوراً كبيراً في تكوين شخصية " محمد " باعتباره ثائراً قبل أن يربح لقب "
النبي " تعقيباً علي ثورته المذهلة علي الصيغ الروحية الشائعة عند عشيرته
منذ عصور ضاربة في القدم و استبدالها بصيغته الخاصة التي طبقت في سنين
قلائل الآفاق ، و ليس وحده ، فكل السابقين في الإسلام ، بل كل شباب "
قريش " في تلك الفترة ، كانوا يدينون لـ " دار الندوة " ببناء ركن في
ذاكرتهم لا ينهار عن حقيقة العالم الذي يعيشون فيه ، لقد فطنوا لأول مرة
إلي اختلال الموازين و رداءة الواقع ، و أدركوا أن الواقع الذي تعارف
عليه الأسلاف ليس مقدساً ، ليس هذا فقط ، إنما أدركوا أنه واقع يمكن لكل
عاقدٍ العزم علي السير نحو الأفضل ، تغييره!

كيف حدث هذا ؟

ببساطة ، كانت " قريش " حتي ذلك الوقت لا تسمح لمن هو دون سن الأربعين
بدخول " دار الندوة " ، لكن ، حدث أن أصبح " عمرو بن هشام " ، المعروف
تراثياً بـ " أبي جهل " من أغني أغنياء قريش و هو في السابعة عشرة من
عمره ، فسمحوا له ، لأول مرة ، بدخول " دار الندوة " في هذه السن ، كان
هذا حدثاً مدَّ جذوره في أعماق كل من كان في مثل هذه السن أو أكبر منها
أو دونها ، و أيقظ في الصدور إيقاعاً بكراً ، و ساهم بنصيب وافر في تربية
الرغبة في التغيير المفصليِّ ، و هذا ، تماماً ، هو الذي قد حدث!

و ربما ، لإيقاظهم في القلوب يوماً بعد يوم المزيد من النبضات الجديدة ،
بتصرفاتهم كأبطال للضد ، سوف يليق بنا ، بعد شهور أو أعوام ، أن نقدم
خالص الشكر لشيوخ قبيلة " دار الندوة " و شيوخ قبيلة " الحجاز " في دول
المهجر ، و ربما ، في القبور ، من يدري ، ربما ..

فمن الثابت أن اهتزاز الثوابت المزمنة التي تحكم العلاقة بين الأطراف
ينجم عنه بالضرورة ردود فعل داخلية و مسافات يستطيع كل ذهن أن يتحرك
خلالها بحرية ، و هذا بالفعل قد حدث ، ثمة شكوك تنبت و جسور تنهار ، إذ
يستطيع كل مراقب لوسائل التواصل الاجتماعي أن يضبط بوضوح حالة من التذمر
تترهل بعصبية بين مواطني " السعودية " و مواطني " الإمارات " خاصة ، أشبه
بميلاد " الساتوري " ، أقصد لحظة اليقظة عند البوذيين ، حدث هذا بالطبع
من جراء موقف سلطة البلدين من الحرب علي " غزة " ، بل ضلوع سلطة البلدين
فيها ..

ليس هذا فقط ..

فإن خلف حكاية " غزة " أجراساً سوف تدق في كل بال ، لندرك هذا ، يجب أن
نستعين بـ " نظرية الفوضي " ، و هي ببساطة ، نظرية تقترح أن خفق جناحي
فراشة في " هونج كونج " مثلاً ، قد يكون بعد مدة زمنية طويلة سبباً
مباشراً في إحداث عاصفة في " كاليفورنيا " ، و هذا صحيح تماماً ، فمن
المؤكد أن لإبداع مقاتلي " غزة " و مهارتهم غير المسبوقة في تربية الحرب
ضد " اسرائيل " أثر واضح في إبداع " مجلس شوري ثوار بنغازي " في " ليبيا
" مؤخرا ضد قوات قائد الثورة المضادة " خليفة حفتر " ، نسغ الحياة في
القلوب ، و ذلك الزحف الواضح للأمام لا يمكن أن يولد في العزلة ، و سوف
يكون له أثر واضح علي وجه " مصر " القادم في الأيام القليلة القادمة !

من الجدير بالذكر ، أن هناك أنباء تتواتر عن هروب " حفتر " الذي جئ به من
المهجر ، بعد أن قطعوا لها وعداً بالزعامة و إلهام الشعوب ، و نصب
المسكين نفسه الوكيل الليبي لحماية الديمقراطية ، و طبعاً ، هذا كلام
أليف علي الأذن المصرية ، مر بالتأكيد علي عدة فلاتر قبل أن يقال ، علي
أية حال ، قيل ، " حفتر " الآن مختبئ في مصر ، و لعله الآن في الطريق إلي
" عنبر العقلاء " بمستشفي " أبو العزايم " ، و لعله الآن لا يكف عن ترديد
عبارة " سليمان نجيب " الشهيرة في فيلم " الآنسة حنفي " :

- يا ريتني خدت الوصل !

و مع لحظات الانصراف إلي التفكير السليم سوف يستدير في أذهاننا يقين بأن
كل ماحدث ، و يحدث ، و سوف يحدث في " مصر " و " اليمن " و " ليبيا " و
يدق الآن ، لكن برفق سيحتد في الأيام القادمة ، أبواب " تونس " ، لم
يولد من رحم الصدفة أو حتي سلسلة من الصدف ، بل ولد من رحم مكيدة تم ، و
يتم ، و سوف يتم تنسيقها بعناية فائقة ، و أزعم ، أن كل هذا هو خطوة في
طريق الثورة لا مؤشر فشل لها ، فما حدث كان يجب أن يحدث لتستدير الثورة و
تتجسد و تنفض الأوغاد المحسوبين عليها لمجرد أنهم تنزهوا في " ميدان
التحرير " لبعض الوقت ، و ترغم الذين يظنون أنهم ولدوا ليحكموا علي
الانحسار إلي ركنهم المهمل قسراً ، فالثورة الناقصة هي أفشل الثورات علي
الإطلاق ..

و أن تتم الثورة دوائرها يتوقف بشكل مفصلي علي مواسم هبوط طيور العُقاب
المهاجرة و زيارات النجوم ، أو استدراجها للهبوط و الزيارة ، ليس من
الداخل علي كل حال ..

و مع لحظات الانصراف إلي التفكير السليم سندرك أن انقلاب الجيش المصري
علي " د.محمد مرسي " في " 3 يوليو " هو أقدم عمراً بعامين و بعض العام ،
و هو يمد جذوره بالتأكيد الزائد عن الحد إلي ثورة " 25 يناير "!

لقد انقلب الجيش علي " محمد حسني مبارك " في الحقيقة لا علي " د. مرسي "
، و كان عزل " مرسي " هو خطوة علي طريق صمَّم جسوره و رسم خارطته بوضوح "
عمر سليمان " و آخرون ، برعاية أمريكية طبعاً ، ليوم له ما بعده ، فلم
يكن مقبولاً في عقيدة الجيش ، و لم يزل مرفوضاً ، أن يتولي الحكم مدنيٌّ
و إن كان " جمال مبارك " ، لذلك كان تظاهر العسكر بالانحياز إلي الثورة ،
و لذلك ، تعمدوا ليونة الحدود ، أكثر من هذا ، تظاهروا بليونة مفاصل
الدولة ككل ، و تركت السجون ، و جميعنا يعرف كل ما حدث بعد ذلك ، و يجب ،
هنا ، أن نحذف علامة استفهام كبيرة تقف خلف سؤال بات سخيفاً ، من دبَّر
ما يعرف إعلامياً بـ " موقعة الجمل " ..

أن تكون البداية من دعوة علي صفحة " خالد سعيد " ، مستحيل ، مستحيل أيضاً
أن يسمح الجيش بالتئام تلك الكتلة الحرجة لولا أنها لمست هوي في نفسه ، و
لعله ساهم في التئامها بنصيب وافر ، و كل من تدعوه نفسه إلي تصديق أن
البداية كانت من عند " خالد سعيد " ، هناك سرير فارغ بجوار سرير " حفتر "
في مستشفي " أبو العزايم "..

لعل " جمال مبارك " أدرك كل هذا مبكراً ، و لا أجد تفسيراً أكثر شبهاً
بشخصيته كطفل مدلل لمحاولته اغتيال " عمر سليمان " سوي أنه أدرك ، و لعل
" مبارك " أدرك ذلك أيضاً ، أو ، أدرك ذلك أولا ، علي وجه الدقة ، و لعل
" مبارك " يقود الآن خلية نائمة للرد ، أو مطبخ سياسي يعمل الآن ضد
النظام ، و هذا لا يثير إلا دهشة الذين لا يعرفون حقيقة العسكر ، فهو لا
يري وراء ذلك خيانة لبني جلدته ، إنما عقاباً لحزمة لصوص سرقوا مزرعته و
مزرعة أبناءه من بعده ، و في بعض ( التسريبات ) المنسوبة إليه نعثر في
الظل علي رائحة غموض واضحة ، هل أصبح " مبارك " الآن ثائراً لنفس الأسباب
التي قامت من أجلها الثورة عليه ؟!

إذا كان الأمر هكذا ، لابد أن الشيف " أحمد شفيق " أيضاً ، جزء من الثورة
المضادة لإفشال الثورة المضادة ، و لديه أسبابه التي ربما أكثر فداحة من
أسباب " مبارك " ، ذلك أنني ، مع عزوفه عن العودة إلي " مصر " بعد نضج
الطبق الذي كان هو من ألمع صانعيه في " مطبخ الثورة المضادة السياسي " ،
و هضمه ، أو هكذا يظنون ، و بعد كسر معادلة " الإخوان المسلمين " ، أو
هكذا يظنون ، لا أجد تفسيراً لبقائه في " دار الندوة " أكثر شبهاً
بالمرحلة من أن الدور الذي هو بصدده لم يكتمل بعد ، مع الأخذ في الاعتبار
أيضاً ، مضمون تلك ( التسريبات ) التي يروج لها في توقيتات معايرة بعناية
شديدة ، كـ ( التسريب ) الشهير عن تزوير الانتخابات لصالح " السيسي "..

و " شفيق " ، قبل عامين ، لم يكن يمانع أن تزور النتيجة لصالحه ، بل هكذا
كان التواطؤ علي أول خطة للانقلاب علي الثورة ، خاصة بعد العصف بحلم "
عمر سليمان " من جذوره ، بالأمر المباشر من " الولايات المتحدة الأمريكية
" بطبيعة الحال ، و لقد أتي علي المصريين وقتٌ ، خاصة بعد حل " مجلس
الشعب " ذي الأغلبية الإخوانية ، كانوا فيه مزدحمين بيقين تام أن " أحمد
شفيق " هو رئيس مصر القادم ، لكن ، لسبب ما ، لعله الطمع الذي انتاب
العسكر عندما شعروا بفداحة " الكعكة " و سهولة ابتلاعها في الوقت نفسه ،
تم اغتيال هذه الخطة ، لا خوفاً من سقوط الدولة كما حاولوا أن يقنعوا
البسطاء و أصحاب الحد الأدني ، و إلا ، فلماذا تجاوزوا احتمال نشوب حرب
أهلية و أقدموا علي فض " رابعة العدوية " و سحق " الإخوان المسلمين " ، و
هؤلاء هم الفصيل الوحيد الذي يحسبون له حساباً ، و لا تصدق ما يقال لك
غير ذلك من أكاذيب ..

بعد عدة أسابيع من فوز " د. مرسي " ، تقريباً ، نشط ضوء خانق في اسم "
سامي عنان " كان كافياً بالقدر الذي يدفعني ، الآن فقط ، إلي الاعتقاد
بأنه كان في وقت ما " مهديَّ العسكر " الذي سيقتل المسيخ الدجال الذي هو
طبعاً " د. محمد مرسي " و يقيم العدل علي أرض مصر بعد جور " الإخوان
المسلمين " !

و لأن الأحداث الكبيرة هي منظومة من الأحداث الصغيرة ، أقسم علي براءة
الإسلاميين من دماء الجنود في " رفح الأولي " التي أطاحت ، و هكذا
قُدِّر لها ، بـ " حسين طنطاوي " و " سامي عنان " ليخلص الأمر من بعدهما
لـ " عبد الفتاح السيسي " ، و أترك الأمر بعد هذا الكلام لعقلك !

هنا ، يجب أن يتردد في عقولنا صدي مريب لاسم " محمد دحلان " ، و في
اختطاف الجنود الاسرائيليين الذي أدي إلي الحرب علي " غزة " أيضاً ، هو
أيضاً ، أحد الشيفات في " مطبخ الثورة المضادة السياسي " ، في " دار
الندوة " ..

أياً كان الأمر ..

لقد نسقوا مكيدتهم جيداً ، هذا صحيح ، صحيح أيضاً أن بُعداً مهماً قد
فاتهم منوط بأن يعصف بخارطة طريقهم من الأمام و من الخلف و من الجانب
الآخر ، إنه الشعب المصري ، ذلك الشعب الذي مضغ طعم الحرية لبعض الوقت و
استساغه توقف عن أن يكون ذلك الشعب الذي كان يقول لـ " عبد الناصر " :

- إنتا العسل و احنا البلاليص ..

لقد أدركوا كل شئ ..

نعم ، فشلت " يناير " ، لكنها نجحت في خلق شعب جدير بالحرية في كل وقت ،
وما يوم ( الانتخابات ) ببعيد ، و سوف يحتل الشعب المقدمة بكل تأكيد ،
مجدداً ، و سوف ترون أن " مصر " ، فجر الضمير ، لا يمكن أن تكون الامارة
الثامنة من امارات " دار الندوة " ، و سوف ترون : " أيُّنا المصفر استه "
..

أيضاً ، هناك رقمٌ صعب ، ظن الأغبياء أنهم تجاوزه ، متعجرف هو ، هذا صحيح
، لكنه عنيد ، و سوف يشتعل الضوء في اسمه مجدداً ليلتحق بنومكم كالأفكار
السوداء ، أقصد ، " د. محمد البرادعي " ..

لم يغلق الحانوت رهن الضد كما تظنون ، و اللعبة بدأت من جديد ، لكن
بقوانين أخري ، قوانين متطرفة ، و من السئ أن خطوط الرجعة كلها ضاعت ..

أليس منكم رجل رشيد ؟