ماذا لو فشلت التوقعات عن مصير العراق؟

في الاشهر القليلة المتصرمة، وتحديداً منذ استحواذ داعش على الموصل وحتى ساعة إعداد هذا المقال، شهد الإعلام العالمي والإقليمي موجة غير مسبوقة من التحليلات والتوقعات والمقالات والتحقيقات... بل وتبرعت بعض وكالات الأنباء بطرح نظريات واستراتيجيات وسيناريوهات عن مستقبل العراق خاصة... لا أشبه ما جرى ويجري على الساحة الإعلامية إلا بتسونامي جارف ولّده ذلك الإعصار المدمر المتمثل باحتلال داعش لهذه البقعة من أرضنا...
ثمة عامل مشترك بين جميع تلك التهويلات الإعلامية على تنوعها ألا وهو (دمار العراق)، عامل يتمظهر في احتمالات ثلاث: إما تشظي الدولة العراقية إلى عدة دويلات، أو وقوع ارضه تحت سيطرة داعش في نهاية المطاف، أو نهاية العراق واختفائه تماماً عن الخارطة السياسية... ولئن يبدو الاحتمال الأول أكثرها مقبولية بسبب إبقائه على مسمى العراق في الدويلات الوليدة، فإن الاحتمال الأخير كما طرحته مجلة التايم بعنوان (نهاية العراق) يعد أبعدها عن القبول وأكثرها إثارة للجدل وأشدها تشاؤمية.
لكن المحير فعلاً بالنسبة إلى هذا الإعلام (على تنوعه) أنه حينما يتعلق الأمر بالأحداث السياسية والعسكرية الكبرى في العالم نعهد منه غالباً الاختلاف المكرِّس لواقعة كونه إعلاماً متنوعاً طبقاً لتنوع رقعته الجغرافية، لكنه بالنسبة إلى هذا الحدث تحديداً فقد تصالح على ما يبدو في أطروحاته وتحليلاته ورؤاه، وكأنه قد تواطء متفقاً على موقف واحد، الصفة البارزة فيه هي (المأساة) والنهاية المفجعة التي سيأول إليها أمر هذا البلد.
ولكن، ماذا لو فشلت توقعات السلطة الرابعة وخرج العراق من هذه المحنة؟ ماذا لو تمكن العراقيون (وهم صنّاع الحضارة العالمية الأولى في التاريخ) أن يقوّضوا كل البنى الإعلامية الجاهزة، وأن يطيحوا بكل الرهانات السياسية لواضعي المخططات وراسمي الاستراتيجيات؟ ماذا لو أن ما يبدو للعيان من شبح النهاية لم يكن في حقيقة أمره سوى ألق النور الآتي من آخر نفق الاستبداد معلناً عن ولادة الحضارة الشرقية من جديد (في مهدها العراق) بعد شيخوخة الحضارة الغربية؟ أليس من المحتمل أن أمارات النهاية التي يتوقعها الإعلام العالمي عن نهاية العراق هي علامات البداية لبزوغ فجر جديد على الإنسانية؟
أسئلة كثيرة يمكن أن نطرحها، ونجيب عليها بالإيجاب أو بالنفي، ولكني أرى الايجاب أولى من النفي طالما كنا لا ننطلق من فراغ في الرؤية والتحليل، لسنا طوباويين ولا غارقين في خيالات السوبرمان وأحلام العِرق المتفوق، نحن نستند إلى دلائل (إن لم نقل أدلة) مشفوعة بوعد إلهي بشرت به الأديان السماوية جمعاء عن انتصار الحق وانتشار القسط والعدل... انطلاقاً من هاهنا: من العراق.