مِنْ أجلِ عنقود عِنَب !

" .. في قرية ( كيزى ) الجبلية النائية ، العائدة للعمادية .. تجاوزتْ درجة الحرارة ، الخمسة والأربعين ، في أحد نهارات آب 1985 .. ولعدم توفُر الكهرباء ، فأن الجَو الحار ، كانَ مدعاة للتذمُر والسُخط ، لدى الناس . قال المرحوم ( أحمد الدّلال ) ، ماسحاً العَرَق المُتصبب من وجنتَيهِ ، مُتأفِفاً : .. ياجماعة ان هذا الحَر كافِر . رّدَ عليهِ أحدهم : .. أن هذا الحَر ضروري ، لإنضاج العنب والتين . فقالَ أحمد الدّلال غاضباً ، مُشيراً الى السماء : .. وهل ان ( صاحبنا ) سيشوينا ، من أجل عنقود عنب ؟ ضحكَ الجميع ، عدا المّلا الذي إستاءَ وإعترض على ما إعتبرهُ ، قِلّة إحترام ، في عِبارة ( صاحبنا ) ! " .
.................................
ترافَقَ إحتلال داعش للموصل وتكريت وغيرها ، مع إستيلائهم على أسلحة وأعتدة ومُعدات وهمرات .. الخ ، بكميات ضخمة .. تركها الجيش العراقي والشُرطة وقوى الأمن . وبعد مأساة سنجار ، وإنخراط البيشمركة في الحرب ضد داعش ، تدخلتْ طائرات الولايات المتحدة الأمريكية .. في عمليات إغارة على قوات داعش ، إبتداءاً من مخمور والكوير ، القريبتان من العاصمة أربيل ، مروراً بِسَد الموصل وبعشيقة القريبتان من دهوك .. ثم هذه الأيام في مُحيط سنجار وزُمار . وبالفعل ، فأن القصف الأمريكي ، كانَ فاعلاً ، في تدمير الكثير من مُدرعات داعش وهمراتهم الكثيرة ، ومدافعهم وراجماتهم .
* بينما نحنُ مشغولون بمآسينا المتلاحقة ، وخسائرنا في الأرواح والجرحى ، والأعداد المهولةِ من النازحين .. والمُدن المُدمَرة والمنشآت المُحطَمة ... الناتجة عن هجمة داعش العاتية .. فأن الكارتلات الإحتكارية الغربية ، منهمكة حتى قبل بداية هذه الحرب ، بإنتاج الأسلحة والعتاد والهمرات ... الخ ، التي سوف تبيعها لنا ، بعد إنتهاء هذه الجولة ! . بل رُبما ان هذه العصابة العالمية الأخطبوطية .. تُوّجِه الطائرات " وتدفع لها عمولة " ، لكي تُدّمِر المُعدات الفلانية او المركبات العلانية او أسلحةً بذاتها .. لأنَ هنالك فائضاً في المخازِن .. ويجب إيجاد مُشترين مضمونين ، يمتلكون أموالاً ويدفعون جيداً ! . ومَنْ أحسنُ من العراق وأقليم كردستان وسوريا ، في هذه الحالة ؟ .. نعم بعد إنهاك الجميع : الجيش العراقي / البيشمركة / داعش / النظام السوري / المعارضة السورية .. الخ . سيدفعون الجميع لعقد إتفاقات وإلتزام الهدوء ، والبدء بترتيب البيت من جديد ، وتجهيز الجيوش والميليشيات ، بالأسلحة والعتاد والمعدات ... الخ . من جديد ! .
* بالطبع .. ان شركات المقاولات العملاقة ، لها نصيبها أيضاً ، من الكعكة الشَهِية .. فالجسور التي تُنسَف والمنشآت والأبنية التي تُدّمَر ، ومشاريع الكهرباء والماء التي تُحّطَم " سواءً من قِبَل داعش أو الطائرات الأمريكية او أثناء المعارك .. لا فَرق ، فالنتيجة واحدة " .. فأنها بِحاجة الى إعادة بناء .. ومَنْ يستطيع القيام بذلك ، بكفاءة وسُرعة ، غير الشركات التركية والإيرانية والغربية ( بالطبع ، كالعادة بالتشارُك مع مافيات الفساد المحلية الموجودة ، والحمدلله ، من زاخو الى الفاو ) ؟! .
* إعادة التسليح والتجهيز ، وإعادة البناء .. تحتاج الى أموالٍ طائلة وضخمة .. وهذا هو الشئ الوحيد الذي نمتلكهُ والحمدُ لله مرةً ثانية .. الأموال الطائلة ، التي لانعرفُ ماذا نفعل بها ! . حيث عندنا النفط والغاز . والولايات المتحدة والغرب عموماً .. تنتشرُ شركاتهم العملاقة ، في العراق كله ، ولاسيما في أقليم كردستان .. وتواجدهم هنا في الأقليم ، أفضل لهم من بقية أنحاء العراق ، لأن عقودهم هنا ( مُشارَكة ) وليسَ ( خِدمة ) . أي ان جزءاً من النفط لهُم ، فهُم شُركاء .. أي ان طائراتهم الحربية التي تدخلتْ لقصف داعش ، وأن " مُساعداتهم " التي يرسلونها والتي سوف يرسلونها تباعاً .. هي في الحقيقة ، لحماية " نفطهم " ومصالحهم .. وليسَ حُباً بالأقليم ، ولا هي صحوة ضمير دفاعاً عن الإيزيديين والمسيحيين ... فالكارتلات الإحتكارية ، لاتعرفُ أصلاً ، شيئاً أسمه ضمير ! .
............................
طيب الذِكر " أحمد الدّلال " .. تَبَرَم من السماء ، التي تصبُ جامَ حرارتها ، علينا .. من أجل أن ينضج عنقود عنب .
ونحنُ فقدنا عشرات الآلاف من الضحايا .. ومات أطفالنا جوعا وعطشاً ، وسُبِيتْ نساءنا ، ودُمِرَتْ مُدننا ، ونزح الملايين وتشردوا ... من أجل ماذا ؟ من أجل ان تنتعش صناعات السلاح الغربية ، ويزداد تحكُم الذين يُديرون اللعبة ، بنفطنا وغازنا .
ما أحقرهُم .. وما أرخصنا في نظرِهم ! .