نظرة إلى جذور الطائفية

طوال القرون التي عاش فيها الشيعة والسنة معاً في العراق كان الشيعة يتعرضون لاضطهاد متفاوت في درجته من قبل السلطات السنية. ولكن من النادر أن تحدث أعمال عنف طائفية بين أفراد الطائفتين.

في الحقيقة لا يذكر لنا التاريخ، سوى فترة واحدة في تاريخ العراق شهدت موجة من العنف الطائفي الأهلي. وهي الحكم البويهي في القرن الرابع الهجري

كان البويهيون يميلون إلى التشيع الزيدي على الأرجح، ورغم أنّ السلطة في عهدهم ظلت سنية إلا أنّهم تسامحوا كثيراً مع الشيعة، ولأول مرة تقريبا يستطيع شيعة بغداد أن يعبروا عن عقائدهم ويمارسوا شعائرهم في العلن، وهو ما أثار هيستيريا رجال الدين المتعصبين فألبوا العامة ضدهم في المساجد، ونتج عن ذلك أحداث عنيفة جداً، خاصة في جانب الكرخ، حيث تسكن غالبية الشيعة آنذاك (وهاجر إليها شيعة الرصافة في الفترة نفسها هرباً من الإرهاب.)

وحالياً، ومنذ 2003، أنشأ الغزاة الأمريكان حكماً شبه ديمقراطي في العراق يتيح المشاركة السياسية للجميع .. وكان من مظاهره الحرية الدينية للشيعة وتعبيرهم عن هويتهم الدينية علنا (ربما بشيء من المبالغة المفهومة)، دون أن يحدث أي انتقاص لحرية السنة أو غيرهم في التعبير عن عقائدهم وممارسة شعائرهم

خلال ثلاثة عشر قرناً من التعايش الشيعي -السني في العراق لم يحدث عنف طائفي أهلي إلا حين تأتي حكومة تمنح الشيعة حرية التعبير عن هويتهم وممارسة شعائرهم. ويبدو أن المتعصبين السنة يعتبرون هذا الأمر في حدّ ذاته اعتداء عليهم، ولذلك فهم حين يهاجمون الشيعة لا يرون أنفسهم معتدين، بل يرون أنهم يردّون على "الاعتداء" الرمزي المتمثل في موكب للعزاء الحسيني أو احتفال بيوم الغدير أو رفع الأذان على الطريقة الشيعية

ملاحظة: هذه محاولة لفهم آليات الصراع الطائفي في العراق وقد تكون صائبة أو مخطئة.. لكنها بالتأكيد لا تهدف إلى الشحن الطائفي، بل تهدف فقط لفهم ما يجري، لأن الفهم هو أول الخطوات للحل (لا نفقد الأمل بالحلّ رغم كلّ شيء).