ركعة عبود

لأنه صاحب اقدم دشداشة بين أهله و معارفه ، ولا احد يعرف تاريخ تدشينها للمرة الاولى من قبل مالكها الشرعي عبدالعال ، ولقدمها الى حد المبالغة حتى قيل عنها انها وردت في الرقم الطينية السومرية ولكثرة انتشار "الركع " من" كل زيج ركعة " كما يقول المثل الشعبي ، نالت "ركعة عبود " شهرة عريضة.
عبد العال نال الشهادة الابتدائية مطلع ستينات القرن الماضي ، كان يتمنى ان يصبح معلما ، لكن الأب وقف ضد رغبة ابنه في إكمال دراسته لحاجته الماسة الى خدماته في العمل الزراعي ، ولعل الأب كان يخشى ان ينادي احد التلاميذ معلمه أستاذ عبد العال بلقبه "عبود ركعة " فيقع في حرج أمام الزعاطيط .
لا احد يعرف عبد العال باسمه المسجل في دفتر النفوس ثم في هوية الأحوال المدنية ودفتر الخدمة العسكرية ، وعلى عادة أبناء الأرياف في تحريف الأسماء وتصغيرها، اصبحت "ركعة عبود" علامته الفارقة ،ولازمت الأبناء والأحفاد ،وارتبطت بأحداث ومواقف سياسية فبعد نكبة الخامس من حزيران في العام 1967 ، ورفع شعار كل شيء من اجل المعركة قاد عبد العال تظاهرة بمشاركة مئات الفلاحين تندد وتستنكر العدوان الاسرائيلي على الأمة العربية ، وتوجه الى مركز الناحية ، وعندما حان موعد إلقاء القصائد والكلمات لتأجيج الحماسة رفض عريف الحفل صعود قائد التظاهرة الى المنصة ، وإلقاء كلمته ، لان دشداشة عبد العال ستثير غضب مدير الناحية ، فليس من المعقول ان نواجه الصهاينة وأعداء الأمة العربية بركعة عبود .
بمرور الزمن تخلص الرجل نسبيا من لعنة لقبه ، لكن بعض الخبثاء كانوا يذكرونه" بركعة دشداشته" فيقابلهم بالإهمال والتجاهل ، ولارتباطه بعلاقات متينة بمدير مدرسة القرية ومعلمها الوحيد القادم من العاصمة بغداد ، حصل تحول نوعي في حياة عبد العال ، فأخذ يقرأ الكتب الأدبية ، ويتعرف للمرة الأولى في حياته على عوالم مجهولة ، وأهلته ثقافته الجديدة للدخول في مناقشات وحوارات ثقافية وسياسية ، فتوصل الى يقين بان محاربة إسرائيل ومواجهة المخططات الصهيونية والامبريالية، ترتبط بإزالة كل مظاهر التخلف ، والتوجه نحو الديمقراطية، وإزاحة الأنظمة الديكتاتورية ، واعترف عبد العال بصحة قول عريف الحفل بان تحقيق انتصار الأمة على أعدائها لم ولن يحصل عن طريق ركعة عبود ، فأثار رأيه من كان يحدثهم فحذروه من تجاوز الخطوط الحمر ، ونصحوه بان يكون كلامه في نطاق ضيق ويقتصر على المقربين من الدرجة الاولى والثانية شريطة ان يثق بهم وبخلاف ذلك لن ينقذه لقبه من ملاحقة رجال امن السلطة بتهمة تهديد الامن القومي .
عبد العال مازال على قيد الحياة عاصر الأحداث السياسية بكل ما تحمل من مصائب ونوائب وفي زمن فرض العقوبات الاقتصادية على العراق ، تذكر القوم "ركعة عبود" ، وبعد نكبة حزيران العراقية وخضوع نينوى وغيرها لسيطرة الإرهابيين ، أصبحت" ركعة عبود" علامة عراقية بامتياز.