وداعاً محسن الخفاجي.. الذكريات لم تعد جميلة

أنتقل الى رحمة الله القاص العراقي والروائي وصديقي الأزلي محسن الخفاجي .الرجل الحالم والمبدع والذي عشت معه أجمل الذكريات وكتبت عنه كثيرا .
مات هذا الطيب والحالم والقامة الكبيرة والذي أمتعنا بجمال مفردته وبراءته وفنتازيته المدهشة...
مات محسن الخفاجي صانع القرنفل في حدائق القصص.
الرحمة له .
لقد أنكسر جزءا مهما من عكاز حياتي.............!

مات القاص محسن الخفاجي .

ترك للقصة والرواية العراقية شراعا عاليا تحت أجفان السندباد وفي غرفة الخلوة الملكية في زقورة أور.

مات هذا الجميل بدفئه وطيبته وهدوءه وثقافته..

أرتبط مع القاص محسن الخفاجي بصداقة مثل تلك التي كانت تربط جلجامش بخله أنكيدو.. وأنا وثلاثة أصدقاء أول من كَسر حاجز الخوف من المحتل وزرناه في معتقل بوكا حيث بقي لثلاثة سنوات سريالية في سجن لم يجد فيه من يقول له انك مـتهم بكذا تهمة ، وعن تلك الزيارة كتبت خاطرة سجلت فيها بؤس العراقي عندما يسجن في بلده ويكون سجانه ليس شرطيا بثلاثة خيوط يسمى عريف شلتاغ ، بل رقيبٌ من فرقة الخيالة هاملتون العائدة اصلا لسرية الحرس المجوقل في حاملة الطائرات ايزنهاور..

وبعدها بقيت أكتب من اجل محسن نداءات حلم حريته وقد بح صوتي وبمساعدة من رهط طيب كريم من الأصدقاء والمثقفين في كل أرجاء الدنيا ، وأسسنا له في موقع الحوار المتمدن موقعا خاصا للمساندة ..ثم أطلق سراح محسن ليعود الى مدينته السومرية يغفوا مع فنتازيا نصوصه واحلامه المستحيلة وتصريحاته التي هي اسرع من طائرة اللوفتهانزا بألف مرة ...

سجن ثلاثة اعوام .. وبعد السجن بثلاثة اعوام ..يخبرني نداء صغير للصديق القاص ابراهيم سبتي على موقع كتابات بأن الخفاجي تعرض لجلطة دماغية وقد شل جانبه الأيسر وهو ينتظر من يعينه من محنته ويساهم في علاجه ، وكان رد الأخ والصديق الأعلامي شاكر حامد سريعا ليتكفل في علاجه وعلى نفقته الخاصه ، وكأن الناصرية ظلت طوال مجدها العريق تعتمد على مبدأ الأظفر لايخرج من اللحم ليأتي واحد من ابنائها النجباء ليقول ( محسن الخفاجي من حصتي ) ..

أقرأ نداء أبراهيم سبتي ولا أمسك دموعي فكأن سقفا من عُرش بلور مودتي الى ذلك الصديق قد أنهار على رأسي وكنت قد أخبرتْ في مكالمة هاتفية إن محسناً تعرض لعارض بسيط ، ولكن أن يُشل نصفه فتلك مرثية تمطرنى بأسى فقدان عالما ساحرا من النصوص الجميلة التي اسكنها محسن في ارواحنا ابتداءً من ثياب حداد بلون الورد ومرورا بطغراء مدينة القمر وشارع الزواج في لكش وانتهاءً بقناع بورشيا تلك القصة التي تعيش بطلتها اليوم في امريكا مهاجرة عن عيون عاشقها الناصري ليظل وحده يلوك دموعه وارتعاشة شفتيه ورغبته العجيبة في الحياة حتى انه كان لايذكر كلمة الموت في قاموس كلماته ،ولايحضر مجالس العزاء ، فقد كان يريد ان يظل حياً لعزوبيته وللمقهى وللاصدقاء الذين لايملون من فنتازيته وثقافته وهدوءه ودخان سيكارته...

أعتقد ان مدينة بدون محسن الخفاجي ستفقد الكثير من طعمها ، ومن ابداعها ، ومن رغبتها لتكون عاشقة للقمر والقصة القصيرة ومساء تقضيه عشتار على زقورتها او بين ظلال نخيل فراتها الذي ظل محسن الخفاجي يشرب من ماءه ليغذي عشقه الأزلي لتلك البلاد التي كان واحد من مهرة صناعة الحلم فيها وبها وعليها ....

محسن الخفاجي .. الذكريات لم تعد جميلة هكذا اعتقد عندما سيلفك دوار الدواء الذي لم تعتد تناوله ..وهكذا أعتقد عندما أحاول الأتصال باخيك الفنان التشكيلي المغترب في هولندا كمال خريش الذي لايبعدني عنه سوى قطار بساعة واحدة ، لكني لا اتجرأ فأنا اعرف إن قلبه يعاني من عطلٍ قديم ..

وعليه ستبقى في دمعتي امنية أن اراك ذات يوم وانت تبتسم كما الوردة على خدي نجملة خجلى.....

والآن الناصرية بدون عكاز محسن الخفاجي ، تفقد الكثير من شهية الشاي والحكاية في أمسياتها والمقاهي.

مات محسن الخفاجي ...وسترثيه الذكريات قبل الدموع...........!