العبادي.. بمواجهة حملة تسقيط غير واضحة الاهداف

منذ ان اتخذ رئيس الحكومة العراقي حيدر العبادي قرار ايقاف القصف على المدن التي يتمترس تنظيم "داعش" بين سكانها، ما يتسبب في ضحايا في اوساط المدنيين، قوبل القرار بارتياح عام، خصوصاً انه يتزامن مع بدء عمليات قصف جوي واسعة النطاق لقوى التحالف الدولي، على مواقع التنظيم.

لكن العبادي لم يسلم من الانتقادات والاتهامات، على خلفية هذا القرار، خصوصاً في الاوساط، التي كان متوقعاً انها ستحاول اعاقة محاولات التغيير والاصلاح السياسي، في ظل تعهدات الحكومة الجديدة، والتي عبر عنها العبادي في برنامجه الحكومي، ونال على اساس ذلك دعماً داخلية واقليمياً ودولياً غير مسبوق.

ومنذ ان تسلم العبادي مهمته، اتخذ سلسلة قرارات، اعتبرت انها تسير في طريق الاصلاح، وتحقيق المشاركة، ومحاولة ضمان وحدة البلاد، ابرزها الغاء مكتب القائد العام للقوات المسلحة وتغيير عدد من القيادات العسكرية التي ارتبطت اسمائها بالازمات والانهيارات الامنية.

وبالطبع فأن العبادي الذي لم يمض على تشكيل حكومته اسابيع، يحتاج الى وقت اطول لاتخاذ المزيد من الخطوات الاصلاحية التي تعهد بها، لكن الاسابيع القليلة التي تولى بها منصبه، كانت كافية ليتعرض الى هجوم واتهامات، من اوساط بعضها من داخل كتلة "دولة القانون" التي ينتمي اليها.

واكثر التهم اللافتة هي تحميل قراره ايقاف القصف على المدن مسؤولية، حادثة الصقلاوية، قرب الفلوجة التي اقتحم خلالها مسلحو داعش، معسكراً للجنود وقتلوا عددا منهم واسروا اخرين.

وعلى خلفية هذه التهمة، اضافة الى اخرى تخص تقديم الشيعة تنازلات اكبر من المطلوب الى القوى السياسية الاخرى، ظهرت الى السطح وفي بعض مواقع التواصل الاجتماعي، دعوات للتظاهر ضد العبادي، والمطالبة باقالته، قال النائب عن "اتحاد القوى" احمد العطية ان رئيس الحكومة السابق ونائب رئيس الجمهورية الحالي نوري المالكي وعدد من اعضاء كتلته يقفون خلفها.

واعتبر النائب عن "التحالف الوطني" محمد علي المسعودي من يقودها "فاسدون، تضررت مصالحهم للتضرر على خلفية تشكيل حكومة العبادي".

لكن المالكي سارع الى التبرؤ من التظاهرة، ودعا انصاره الى عدم المشاركة فيها.

والجدل الذي اثير حول التظاهرة واحتشدت به صفحات مواقع التواصل الاجتماعي العراقية، يعكس الحاجة الى اعادة التأقلم مع مفاهيم الديموقراطية البديهية، ومنها حق التعبير عن الرأي، والاتجاه الى الممارسات الديموقراطية السلمية للدفاع عنه، فالداعين الى اسقاط حكومة العبادي، لم ينجحوا في حشد الشارع مع هدفهم، لان دعواتهم الى اسقاط حكومة لم يمض على تشكيلها اسابيع لم تكن مبررة، واهدافهم المعلنة غير مفهومة، فيما رافضي التظاهرة انهمكوا في توجيه الاتهامات المؤذية لخصومهم، وساقوا عبارات ضد المتظاهرين لاتتسق مع جوهر تقبل الاختلاف.

اللافت، ان المعترضين على قرار قصف المدن المأهولة، لم يقدموا دليلاً واقعياً يربط بين هذا القرار وقضية "حادثة الصقلاوية"، فالقصف الذي امتد منذ 10 حزيران الماضي وحتى اليوم على هذه المدن لم يمنع تقدم تنظيم "داعش" الى مناطق واسعة في ظل القصف الذي يؤكد سكان الفلوجة مثلاً، انه غير دقيق ويصيب في الغالب منازل ومستشفيات ومدراس بعيدة عن اماكن تمركز داعش.

وابعد من ذلك ان قرار ايقاف القصف التي استخدمت فيه مقاتلات نوع "سيخوي" الروسية، لم يكن يشمل ساحات العمليات والمعارك، كما لم يكن يمنع سلاح الجو من حماية معسكرات تقع خارج المدن كما هو الحال في معسكر الصقلاوية.

بل ان رئيس الوزراء حيدر العبادي اعلن في 29/2/2014 ان الغارات الجوية للقوات العراقية ضد تنظيم "داعش" زادت بنسبة 20% عما كانت عليه في السابق.

بل ان القرار كان ترافق مع اتساع الحملات الجوية للتحالف الدولي لمحاربة داعش، والذي تقوده القوات الاميركية، ما شمل للمرة الاولى قصف مراكز لداعش في جنوب بغداد، وقال متحدث عن الجيش العراقي، ان هذه الهجمات كانت مؤثرة.

المشكلة العراقية اكثر تعقيداً وحساسية اليوم، من اخضاعها الى مزايدات حزبية لن تقود سوى الى المزيد من الانهيارات الامنية، والتوافق السياسي النادر الذي انتج حكومة العبادي يحتم التزام القوى المختلفة بحدوده ووثائقه وعهوده، بما يضمن تجاوز مرحلة الحرب على "داعش" قبل المضي الى حملات تسقيط متبادلة جديدة.