كيف تقول كلّ شيء يا أبو مازن؟!

 

 

السيّد محمود عبّاس، أبو مازن، خطب في الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة، وقال كلّ شيء. لماذا تذكّر، يا سيّد أبو مازن، بما تريد إسرائيل من العالم نسيانه أو تناسيه؟ هكذا يتصرّف الأصدقاء؟ ليس هذا من حقّك، ولا هو سلوك أصدقاء فعلا.

نتنياهو زعل من كلّ قلبه. حمّل نفسه على طائرة خاصّة، وأسرع إلى الأمم المتّحدة. وراءك على الدعسة. لكي تسمع أنت ، والعالم كلّه، ردّة ودعاواه المقنعة. طبعا عقيلته الموقّرة، سارة، سافرت معه في الطيّارة. كيف يسافر بدونها، ويقف يخطب أمام العالم وحيدا؟ هل يمكن فريق كرة سلّة اللعب بدون مشجّعات؟ واحدة تكفي إذا لم يوجد غيرها. لا تنس أميركا أيضا.

لماذا تذكر الوقائع كلّها، يا أبو مازن، ولا تصرّح، علانية أو تلميحا، بأنّك تريد إبادة إسرائيل؟ لماذا تقول شيئا وتخفي أشياء؟ كيف تجرّؤ على القول إنّك تطمح إلى إقامة دولة فلسطين إلى جانب دولة إسرائيل؟ واضح أنّ كلّ تصريحاتك، في خطابك أمام الجمعيّة العموميّة، عدوانيّة طبعا، ولا تخدم السلام المنشود. سمّ في الدسم. مثلا:

"... متمسّكون بهدف السلام وبالشرعيّة الدوليّة ومواثيقها وقراراتها، قدر تمسّكنا بحقوقنا الوطنيّة الثابتة، ومتمسّكون بنبذ العنف ورفض الإرهاب بجميع أشكاله.."

"... إقامة دولة فلسطين المستقلّة وعاصمتها القدس الشرقيّة فوق كامل الأراضي التي احتلّتها إسرائيل في العام 1967، والتوصّل إلى حلّ عادل ومتّفق عليه لقضيّة اللاجئين الفلسطينيين وفق القرار 194، كما نصّت مبادرة السلام العربيّة".

"قيام دولة فلسطين الحرّة المستقلّة [...] هو حقّ مقدّس للشعب الفلسطيني، واستحقاق واجب الأداء منذ عقود طويلة".

ما هكذا أرادوا، هنا في إسرائيل، ولا توقّعوا. خيّبت الآمال، صدّقني، يا أبو مازن! لماذا لم تقلْ ما في داخلك، ويعرفه نيتنياهو طبعا، مهما حاولت إخفاءه؟ لماذا تصعّب على الدعاية الإسرائيليّة؟ إذا كنت صادقا في دعاواك فصرّح أيضا أنك تعترف بفلسطين كلّها وطنا للشعب اليهودي، كما وعدهم يهوه في التوراة. طبعا لا تصرّح، ولا تستطيع حتى. كيف يتحقّق السلام الدائم وأنت لا تصرّح بذلك على الملأ؟ نحن أخبر بالنوايا الخفيّة، ونيتنياهو ليس ولدا!

على كل حال، قبل أكثر من ثلاث سنوات، خطب أبو مازن في الأمم المتّحدة أيضا. أذكر يومها أني صدّقت كلّ كلمة في خطابه. قال يومها أيضا أنّهم "عقدوا العزم على طلب اعتراف الأمم المتّحدة بدولة فلسطين في حدود 1967". كتبت يومها أيضا أن "أكثر ما نخشاه أخيرا أن ترضخ السلطة الفلسطينيّة للضغوط الأميركيّة والألمانيّة والإسرائيليّة، فتتنازل عن الخطّة وعن الطريق". خيّب آمالنا أبو مازن يومها، فلماذا نصدّقه اليوم؟ الشاطر لا يُلدغ من جحر مرّتين، والشعب الفلسطيني ليس تيسا فيصدّق تصريحات أبو مازن اليوم في الجمعيّة العموميّة! الأقوال تأخذها الريح، وتمحوها ابتسامات السيّد وراء البحار والدولارات. الأفعال نريد لا الأقوال! لم نعد نصدّق إلا ما تراه العين، وتلمسه الأيدي. ننتظر ونرى. كلام الجمعيّة العامّة يمحوه الدولار!

نرجو، مع ذلك، أن نكون مخطئين في توقّعاتنا. أن يكذّب أبو مازن ظنوننا، ويثبت على كلامه هذه المرّة. أن يقرن القول بالفعل. أما إذا ظلّ كلامه حبرا على ورق فلا أبخس من الحبر إلا الورق. لا يمكننا تصديق رجل ضحك علينا قبل ثلاث سنوات. نرجو أن لا نضطرّ، هذه المرّة أيضا، إلى ترديد القول الشعبي المأثور في نكث الأيمان: حنون وجاءه من يعزّ عليه!!