عيدٌ بطعم الفاجعة

رحم الله المتنبي كأنما نظر إلى أحوالنا المزرية بلحظ الغيب فأنشد هذا البيت:
عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ
فالفاجعة أرخت على صدر العراق سدولها، وهزت رواسخ الطمأنينة والثبات، وأفضت بنا إلى المآسي والأحزان. حتى طفح الكيل وبلغ السيل الزبى، فاجتمعت أكثر من أربعين دولة لدرء الشر عن العراق وأهله، بينما الفضائيات العراقية منشغلة بالدق والرقص. 
أربعون دولة أسرجت وألجمت، وزحفت من كل حدب وصوب لتتجحفل من جديد فوق أرضنا في حشد مهيب مريب، من دون أن نعلم حقيقة الأهداف المرسومة لها، ومن دون أن تعلمنا حكومتنا بما يدور حولنا.
أربعون دولة أوربية وعربية وأفريقية وآسيوية وأمريكية وأسترالية. اشتركت كلها في التحليق بطائراتها لقصف داعش، لكنها قصفت أبنائنا ولم تقصف داعش. قالوا أنها قصفتهم بالخطأ، وكانت الفضائيات الأجنبية هي التي تنقل لنا أخبار القصف، أما فضائياتنا فما زالت منشغلة بالدق والرقص.
يقولون أن التحالف الأربعيني سيضم السعودية وإيران، وتركيا واليونان، فالنقائض كلها ستجتمع فوق أرضنا، بذريعة مطاردة فرق الموت والدمار، التي نشأت وترعرعت في حاضنات الأقطار التي ستشترك في المطاردة، من دون أن تتبرع فضائياتنا السياسية لشرح أبعاد الحملة الأربعينية وأهدافها وخططها، فالفضائيات منشغلة بالدق والرقص. 
يقولون: أنهم جاءوا لكسر شوكة محور الشر. وهم الذين أرسلوا إلينا غربان الشر، بألوان متباينة، وأسراب متباينة، حتى تكاثرت في سماءنا الغربان والخفافيش، وتشابكت في مدننا التماسيح. 
نحن الآن على أبواب العيد، الذي لم يكن سعيداً في يوم من الأيام. فالسعادة مفردة غائبة عن حياتنا، ولا مكان لها في القاموس العراقي. 
قبل أيام سمعت تسجيلا صوتياً لإحدى قصائد الراحل (عطا السعيدي)، يقول فيها:
هلي تدور السنين وعيدهم تابوت
ومن هور الصحين الحزن يبرالي
إذا نوبات غيضي يجاوز المعقول
وأثـﮔب وأشتعل لا تنـﮕد أفعالي
ربما كان العم أبو ليث (الكاتب عبد الواحد البصري) على حق عندما قال: ستكون هذه الحرب نهاية لكل الكذابين الناطقين باسم الحرية، ونهاية لكل الشعوبيين الذين يدعون العروبة، وكل المنافقين الذين يتظاهرون بالإيمان، وكل الخونة الذين يتباهون بوطنيتهم المزيفة.
وربما تكون هذه المواجهة هي الأخيرة في مسلسل المواجهات المتعاقبة فوق هذه الأرض، أو قد تكون آخر فصول المسرحيات المرعبة في هذا السيرك السياسي الفوضوي، أو نكون نحن في طريقنا إلى الانقراض.
والله يستر من الجايات