زراعة السلام وصناعة الحرب |
بين الزراعة والصناعة اكثر من علاقة وارتباط وهما اساس تقدم الشعوب والبلدان حيث تغادر بهما ومن خلالهما الكثير من الدول من خانة الدول المستهلكة او النامية او النائمة الى مجموعة الدول المنتجة والمتقدمة والمتيقظة لما يحيط بها من اخطار واهوال وما تمتلكه من موارد وامكانيات في سبيل حماية شعبها وارضها عند الشدائد والحروب. ومابين السلام والحرب خيط رفيع قد يقطعه جاهل او متهور او متعنت مغرور فيطيح بنفسه وبشعبه وبلده الى اسوء الاحوال والنهايات، وحال العراق بماضيه وحاضره وصور مدنه وشعبه النازخ المُهاجر المُهجر اللاجئ وقوائم الموتى التي تضم أعداد وارقام في سجل واحصائيات الطب العدلي والمنظمات المهتمة بها، هو صورة واضحة وناطقة وناقلة لكل اهوال الحروب الداخلية والخارجية التي عاشها ويعيشها شعبه. الزراعة تحتاج الى الصبر والجهد والخبرة والكثير من الشروط والتحضيرات التي جعلت منها المورد الاساس والرئيسي في ميزانيات الكثير من الدول، والتي استطاعت من خلال التميز او التخصص في زراعة بعض المحاصيل والمواد ما جعلها تؤمن عيشاً رغيداً ومستقبلاً واعداً لشعوبها مثل هولندا وزراعتها للزهور وهي اصلا ارض منخفضة كلف الكثير الكثير من الجهد والاموال في سبيل تهيئة الارض او البيئة المطلوبة للزراعة، وذات الحال ينطبق على الصناعة التي لو فكرنا او امعنا النظر في معظم او كل ما نستخدمه او نحتاجه في حياتنا لوجدنا انه مصنوع خارج العراق. امام الفشل الكبير لنا ولبلدنا في صناعة او زراعة اي شئ مفيد ويسد احتياجات شعبنا لابد من وقفة ومراجعة لحالنا واحوالنا التي لايهم اليوم الحديث عن الأمجاد والملاحم والتاريخ الذي لا نعرف ان كان صحيحاً او غير ذلك، لان واقع الحال والخراب والكراهية والشر المنتشر بيننا وفينا يكاد يلغي وينهي كل حوادث التاريخ وحكايات التسامح والتعايش التي تبدوا كانها من حكايات الف ليلة وليلة. زراعة السلام في مجتمعاتنا مهمة اكبر واهم من زراعة اي شئ لانه ثبت خلال الاشهر القليلة الماضية تهدم وضياع كل شئ عندما انهار السلام ووجد العراقيون بمختلف اسمائهم وقومياتهم واديانهم وطوائفهم ومناطقهم هاربين مشردين من بيوتهم ومدنهم وهي سابقة ربما لم تحصل بهذا العنف والقسوة في اي مكان في العالم. من المهم الاعتراف أننا نعيش واقعاً مأساوياً شاركنا جميعاً كل بدرجة او نسبة في الوصول اليه، فالتغني بالامجاد والاعتزاز بالالقاب والتفاخر بالانساب والمكونات هو الذي اوصلنا الى هذا الواقع القائم على الشعور بالتفرد والعلو على الآخرين، وهو ما دفعنا الى استصغار او الشعور والحديث بحديث الاكثرية والاغلبية نحو الآخر (الاقليات) وما تبعه من ظلم وهدر للحقوق وقتل وتشريد اصبح كاساً يشرب منه الجميع في عراق اليوم. ان زراعة السلام في العراق تبدأ من خلال حل المشكلات والازمات المشتعله بين ابنائه، والتي تمثل الازمة القائمة بين الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كوردستان احدها، حيث ما زالت الملفات العالقة منذ سنوات بدون حل، وتوجد فرصة حقيقية لزراعة السلام وصناعة الموقف الذي يهئ للعراق فرص النجاح والنصر في الحرب القائمة من خلال حسم وحل كل الملفات العالقة وهي ملفات (حصة الاقليم في الميزانية الاتحادية، ورواتب الموظفين، وتسليح البيشمركة ورواتبهم ضمن منظومة الدفاع العراقية، وتسوية ملف الثروات النفطية وتشريع قانون النفط والغاز، وتنفيذ المادة 140 واجراء الاحصاء السكاني العام)، والتي تعتبر كلها مفاتيح لحل الازمات والمشكلات وخطوات لنشر بذور المحبة والثقة وزراعة السلام الذي صار أمل ومقصد كل العراقيين. القاضي نائب المدعي العام عبدالستار رمضان |