مخاطر انهيار اسعار النفط على الوضع السياسي و الاقتصادي في العراق

ما الذي يخفيه اللاعبون الكبار في الاقتصاد العالمي جراء الهبوط المستمر في اسعار النفط مقابل ارتفاع سعر الدولار الامريكي؟ ليس لدي ادني شك ان واحد من اهم اسباب الموضوع هي جيوسياسية، من حيث و على عكس التوقعات في ارتفاع حجم الطلب على النفط اسيويا بعد تباطؤ النشاط الاقتصادي اوربيا الذي ادى الى انخفاض حجم الطلب ، تشهد الاسواق العالمية انخفاضا مستمر في سعر البرميل مع وجود دلائل على اركود الاسعار او انخفاضها الى اجل غير مسمى بسبب سعي الصين الدؤوب لاستثمار هذه الحالة في شراء اكبر كمية من النفط و خزنها لتدخل لاعبا مستقبليا في سوق النفط . لعلها لعبة عض الاصابع لتقليم مخالب الدب الروسي الذي يكلفه انتاج البرميل الواحد نحو 78 دولار للبرميل الواحد و وصول اسعار برنت الى 84 يضع موسكو على هامش بسيط من الربحية قد يؤثر الى حد ما على الخطط التنموية و لكن من جانب اخر ارتفاع سعر الدولار قد يؤثر ايجابا على الاقتصاد الروسي بالحد من السلع المستوردة و التوجه نحو زيادة الطلب على الانتاج المحلي.

بالحقيقة لا خوف على الدول الغنية التي لديها احتياطي نقدي و بنية اقتصادية تساعدها في تجاوز الازمة و استيعاب الوضع الجديد ، فالسعودية ابدت استعدادها للقبول بسعر 80 دولار و كذلك قطر . الدول المهددة حقا هي الدول الناشئة و تلك التي تعتمد على ريعية الاقتصاد.
ما يثير المخاوف حقا ان هذه السياسية النفطية مع الوضع الجيوسياسي القائم تشكل خطر كبيرا على دول مثل العراق لا تملك هوية اقتصادية و اضحة. عام 2002 وجه الاقتصادي المعروق البرفسور الدكتور محمد القريشي سؤالا لثلاثة من طلبة الدراسات العليا انذاك مفاده .. ما هي النظرية التي بني عليها الاقتصاد العراقي ؟ هل هي اشتراكية ام رأسمالية ؟ فاجاب الاول انه اشتراكي ، فرد القريشي لالنفي لاختلاق مقومات الاقتصاد الاشتراكي عن مقومات الاقتصاد العراقي انذاك، قال الطلب الثاني اذا انه رأسمالي ، ايضا كان الجواب خاطيءً ، تذاكى الطالب الاخير و قال له ( خلط) شوية اشتراكي و شوية رأسمالي ، لكن مع الاسف ايضا لم تكن الاجابة صحيحة . ( كنت على يقين ان الثلاثة يعرفون الجواب الصحيح و لكن خوفهم من النظام السياسي القائم انذاك دفعهم الى الالتفاف على الاجابة الصحيحة ) ، ثم جاء الجواب من الدكتور القريشي كالصاعقة حين قال ( لا توجد نظرية اقتصادية تتناسب مع الاقتصاد العراقي) ثم اردف انه اقتصاد الرجل الواحد الذي يطلب شيئا فينظر له في اليوم التالي.
هذا حال اقتصادنا ايام الطاغية ، فكيف به اليوم؟ وجهت هذا السؤال الى استاذنا الخبير البروفيسور الدكتور مظهر محمد صالح ، فاجابني بكل شفافية اسألني عن السياسة النقدية اليوم ساجيبك بكب وضوح اما عن مجمل الاقتصاد فاعتذر ، بالطبع ما لم يعلمه الكثيرون انه عراب السياسة النقدية في العراق اليوم هو البروفيسور احمد ابريهي العلي و ان الدكتور العلي كان له الركن الاساس في هذه السياسة. وجهت نفس السؤال الى البروفيسور الدكتور عبد الكريم جابر شنجار و بصراحته المعهودة قال ان النظرية السياسية في كل بلد تستند الى النظرية الاقتصادية او بالعكس و طالما غابت النظرية الاقتصادية غابت النظرية السياسية على الاقل هذا ما فهمته منه.
اذا كيف نواجه التحدي الجديد بغياب نظرية اقتصادية تؤسس لنظام سياسي او على اقل تقدير الاتفاق على رؤية قبل وضع استراتيجيات للنظام الاقتصادي في العراق .. نعم بلوغ الانتاج النفطي في اقليم كردستان الى نحو 400 الف برميل خارج السياسة النفطية في العراق و بنسبة تصل الى 20% من اجمالي ان الانتاج بالاضافة الى انتاج المشتقات النفطية مع مطالبة الاقليم بـ 17 % من اجمالي الموازنة يشكل عبئأ كبيرا على الاقتصاد العراقي و ان الاقليم لا يفبل المشاركة بحصته و يأخذ من حصص الاخرين نسبة 17% .
الاستنزاف العسكري و دعم القوات المسلحة و توفير العتاد والذخيرة يكلف الموازنة نحو مليار دولار و استمرار الحرب مع تراجع اسعار النفط يشكل خطرا كبيرا على سيطرة القوات العراقية على مسك الارض و التقدم لتحرير كامل التراب الوطني. النازحون و المهجرون يشكلون عبئأ اضافيا على الموازنة و زيادة في قيمة العجز المتوقع ان تصل من 28 الى 40 مليار دولار.
توقف انتاج النفط من حقول كركوك و خسارة الحكومة المركزية لبعض ايرادات المنافذ الحدوية عامل اخر يزيد من نسبة العجز في الموازنة
لعل سياسة التقشف الاخيرة التي تبنتها الحكومة العراقية في تعطيل بعض المشاريع وتخفيض الانفاق ليست الكافية ، لان سياسات التقشف في دول العالم قد تؤدي الى تسريح العاملين و تخفيض الرواتب و رفع مستوى الضرائب و ما الى ذلك ، و لكن كل هذه الاجراءات غير مجدية في العراق و غير قابلة التطبيق.
اولى الحلول المجدية هي استيراد محطات تصفية الوقود الصغيرة لتلبية حاجة السوق من المشتقات النفطية بدل استيرادها .. اعادة تأهيل مصانع التصنيع العسكري و تطوير او تحوير بعض المصانع المحلية و استيراد متطلباتها لادامة زخم الجهد الحربي من الذخيرة و العتاد و غيرها . تخفيض رواتب وايفادات الرئاسات الثلاث و اعضاء مجلس النواب ، الغاء مجالس المحافظات او تعطيلها و توقيف رواتب اعضاء مجالس هذه المحافظات ، تقليص عدد اعضاء الهيئات الدبلوماسية في العالم ، استقطاع حصة الحكومة المركزية من حصة الاقليم من الموازنة و اذا بلغت اكثر من الحصة المقررة مطالبة الاقليم بالسداد و الا ترك الاقليم لتقرير مصيره افضل من ان يكون عبئا على الدولة العراقية . ضروة تبني رؤية اقتصادية واضحة تحول البلد من بلد ريعي مستهلك الى بلد منتج يسد اغلب حاجاته الاساسية.اخيرا على الشعب ان يعي حقية الخطر او الاخطار التي يواجهها و اهم وسيلة الان لدعم وجود دولته هو تقليل او ضغط مستوى الانفاق و ترشيد الاستهلاك الى ان يرى الله امرا كان مفعولا
.