ربطة عنقي بالات !


في كل يوم البس ربطة عنق جديدة ، حتى قال لي زملائي في العمل : امورك عدلة ، دلالة على ان اموري ميسورة ودولاري مرتفع . ومن حق اصدقائي حينما يقولون ذلك فهم لا يدرون ان ربطة عنقي التي استبدلها في كل يوم هي بالات ، اي( لنكة ) وسعر الواحدة الف دينار عراقي اي ما يعادل قيمة لفة فلافل ، حتى صار لدي كميات هائلة من ربطات العنق ، ويمكن لي ان اصدّر منها الى دول الجوار باستثناء الجارة ايران لأنها دولة لا تحبذ لبس ربطات العنق معتبرة ذلك تقليد للغرب وهي لها مواقف مختلفة مع الغرب بسبب برنامجها النووي. 
ويذكر ان ثقافة البالات دخلت الى العراق في بداية الثمانينيات اوالتسعينيات من القرن المنصرم يوم فرضت الولايات المتحدة الامريكية حصارها الظالم على العراق ، لان العراق اجتاح جارته الكويت وضمها اليه واعتبرها المحافظة التاسعة عشر وقد حذرت الولايات المتحدة العراق من مغبة الامر ، الا انه لم يذعن الى ذلك . 
واليوم اكثر من ثمانين بالمئة من العراقيين يبلسون ملابس البالات ، حسب ثقافة (الماعنده منين ايجيب يا خلك الله ) ، ابتداء من الجواريب الى ربطة العنق التي يلبسها صاحب هذه السطور الى السترة وحتى الحذاء ، ولولا البالات – وكلام الحق يقال – لأصبح الشعب العراقي كل ثلاثة اشخاص يمتلكون بنطال واحد . والسبب ان الصناعة المحلية قد ماتت في العراق وقرأ عليها سورة ( الفاتحة) رغم كون العراق ، بعد سقوط النظام ، قد تمقرط ، اي صار ديمقراطي !، ومن الوزن الثقيل وحاز على عدة جوائز . وكانت الصناعة المحلية من ارقى واجود الصناعات وتنتج صناعة راقية تسد حاجة البلد ، وربما يصدر منها الى الخارج ، وفوق هذا وذاك تشغل بها يد عاملة عراقية تعيل آلاف الاسر العراقية ، بعكس اليوم الذي كثرت فيه البطالة وعمت الفوضى واتسع اطار الفساد بكل انواعه وصنوفه ، وزادت المحسوبية والمنسوبية وارتقى الاميون والحزبيون مناصب مهمة في الدولة العراقية ، بينما اصحاب الشهادات يتسكعون في دهاليز البطالة بحثا عن عمل فلم يجدوه . الصناعة المحلية كانت مدعومة من الدولة او ما كان يسمى القطاع المختلط ، والحكومة اليوم قد رفعت يدها عن الصناعة المحلية وصارت الدولة مستهلكة اكثر مما هي دولة مصنعة ومصدرة ، والاسباب سياسية بحتة لا نستطيع ذكرها لان للحيطان آذان ، (والحجارة اللي ما تعجبك تفشخك ) كما يقوم المثل العامي . واعتقد ان بعد اليوم يعذرونني اصدقائي ولا يحسدونني على لبسي كل يوم ربطة عنق جديدة ، ولا يذهب بهم الظنون يمينا او شمالا .( واتفوتك من البالات ربطات عنق كثيرة ) .