نظم التعليم الجامعي

اقتصرت ملاحظاتنا حتى الآن على التعليم الجامعي، ذلك اننا نرى ان اصلاح هذا التعليم كفيل باصلاحه في المراحل الاخرى، وان كان العكس هو ايضاً صحيح؟ وفي بلدان العالم ثمة نظم تعليم عديدة تتفاضل فيما بينها، ويمكن ان يكون لقسم علمي او كلية علمية نظام تعليمي يتفق واهداف هذا القسم او هذه الكلية، ولكنه لا يناسب اقساماً ولا كليات اخرى، فتعمد الى اختيار نظم علمية اخرى.
اما في العراق، فليس لدينا هذه التعددية في نظم التعليم، وكلما حاول وزير تطبيق نظام تعليمي جديد، تلاه وزير يلغي هذا الجديد، ذلك اننا نفتقر الى المؤسسات في كل مناحي الحياة، وكذلك نفتقر الى نظام تعليمي مؤسساتي راسخ.
ان اشهر نظم التعليم الجامعي في العراق هي النظام السنوي، والفصلي، ونظام المقررات المعمول به في الدراسات العليا حاليا، ولا يختلف النظام الفصلي عن السنوي الا في امر واحد هو ان الفصلي يعتمد على درجة الفصلين في السعي السنوي ويخلو من درجة لامتحان نصف السنة لان هذا الامتحان غير موجود اصلاً.
اما نظام المقررات فهو نظام يتميز بمرونته وبأرجحيته من حيث الفائدة وان احتاج الى عدد اكبر من المتخصصين، وامكنة خاصة بالتدريس اكثر من النظام السنوي، ويقوم نظام المقررات على طرح عدة مواضيع للتدريس قابلة للتغيير والتطوير بحسب الحاجة وبحسب الامكانات المتوفرة ايضاً، ومن هنا فهو اكثر قابلية للتطوير ومسايرة التطورات العلمية الحديثة من النظم الاخرى القائمة على اسس ثابتة ودائمية.
وقد طبق نظام المقررات في بعض الكليات في السبعينات وحتى الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، لكنه الغي عام 1983 ثم اعيد تطبيقه في التسعينات في بعض الكليات في محاولة تجريبية جديدة.
ويقوم النظام في جوهره على اقتطاع ساعات من الدروس التقليدية التي يمكن دعوتها بـ (الإجباري) وتخصيصها لدراسة موضوعات مهمة يمكن ان يختار الطالب بعضها بغية اكمال متطلبات الدراسة للسنوات الاربع والحصول على درجة البكالوريوس وتسمى هذه الدروس بـ (الاختياري).
ولكي نوضح هذا الامر نقول ان الطالب ينبغي ان يكمل دراسة عدة موضوعات في 144 ساعة في النظام السنوي تؤهله لنيل درجة البكالوريوس، وفي نظام المقررات يدرس الطالب هذه الموضوعات لستة اشهر بدلا من عام كامل، بحيث تخصص الـ ستة اشهر الاخرى من السنة لدراسة موضوعات يختارها القسم بحسب الامكانات المتوفرة لديه، اي الساعات تختزل في 72 ساعة بدلا من 144 وتخصص 72 ساعة اخرى او تفرغ لدراسة موضوعات مجاورة ذات علاقة بالاختصاص، فإذا افترضنا ان طالب قسم التاريخ يدرس التاريخ الاسلامي في اربع ساعات فإن وفق نظام المقررات او (الكورسات) يدرس هذا التاريخ في ساعتين بينما تخصص الساعتان الاخريان للتاريخ البيزنطي او الروماني مثلا او لأي مادة تخدم اختصاص الطالب بشكل كامل.
ولكي تكون الفكرة اكثر وضوحاً، نقول ان بعض الموضوعات في الادب العربي تخصص لها محاضرة واحدة لا اكثر كالقصة او المسرحية او الفنون الاخرى التي تدرس في ساعة من تاريخ الادب واخرى من النقد النظري، اما نظام المقررات فيمكن ان نخصص ساعة لمثل هذه الموضوعات طوال فصل كامل اي ستة اشهر ويمكن ان تتنوع الخيارات فيكون هناك مسرح اغريقي او مسرح عربي مثلاً واساطير اغريقية او اساطير شرق اوسطية على سبيل المثال والفرق بين المقررات الاجبارية والاختيارية ان الطالب لا يتخرج من دون اكمال المقررات الاجبارية والنجاح فيها، اما الاختيارية فعليه ان يكملها ايضا ولكنه حر في اختيار ما يشاء من المقررات.