سجنا اعلاميا و ليس قصرا عثمانيا


كثيرون هم الحكام الذين افتخروا بما نتجت ايديهم، و اعتقدوا انهم يرفعون شان بلادهم و قيمته و ثقله و مكانته لدى العالم بمجرد فعلة شاذة او حركة هنا و صرح هناك او ادعاء لمفهوم او قيم معينة، بينما كانوا منبوذين لدى شعبهم و لم يفيدو بلدهم رغم اي ادعاء او اتخاذ لموقف نابع من اما غرورهم او نرجسيتهم،ظهرت منهم مؤشرات تدل على مرضهم النفسي، او نتيجة اعراض لداء العظمة التي اصيبوا بها كلما احسوا انهم نجحوا بنسبة معينة في حياتهم السياسية العامة . و حدث هذا كثيرا في العصور الغابرة او الوسطى و بالخصوص اثناء حكم الامبراطوريات و السلطنات، و ما كان اكثرهم في شرقنا هذا . 
بنيت حصون و قلاع و قصور فخمة و اصبحت رموزا للمرحلة و التاريخ و تناسبت مع مستوى التقدم او نتيجة لغرور القائد و ما بدر منه من الافعال التي كانت خارج نطاق امكانيات بلده و على حساب الشعب بشكل عام، و ابتلوا بما فعلوا و سقطوا جراء غرورهم .
اليوم نلاحظ اوردغان و هو يتصرف و كانه اوصل تركيا الى مصافي الدول الاوربية، بينما فاز في رئاسة الجمهورية و اعتلى قبله رئاسة الوزراء و سيطر على زمام الامور، و عدل الدستور من اجل شخصه و صلاحياته ليكون اول رئيس دولة ينتخب من قبل الشعب، كي يفتخر بما يقوم به على الصعيد العالمي قبل الداخلي . رغم التغييرات الملحوظة في بنية تركيا الاقتصادية لحد معين الا انها لازالت هشة بشكل لا يمكن تصور مقاومتها لاخف هزة لو اديرت مساند عديدة او انقلبت راسا على عقب من التي لازالت تقف وراءها و تستندها لتبقى مستقرة نتيجة موقعها و اهميتها الاستراتيجية العالمية في هذه المرحلة بالذات .
بعد ان تاكد السيد اردوغان من سيطرته الكاملة على السياسة التركية، بادر الى تغييرات و لكن باتجاه معاكس و هي تراجعية وليست اصلاحية، رغم الانتقادات الكثيرة التي تعرضت لها سياساته المتعجرفة و فيها شيء من التهور الذي يضر به بلاده، و من الممكن ان تدفع تركيا ضريبتها بشكل كبير، و توقع الجميع ان يخطوا اكثر بافكار واقعية و عقلانية كما بداها منذ توليه الامر في بدايات صعوده . 
ياست تركيا من الاتحاد الوربي و تيقنت بان سياساتها غير ملائمة للدخول فيه، و خاصة بعد الخطوات التراجعية في الاونة الاخيرة، و رغم الاخطاء الكبيرة التي ارتكبتها الا انها لازالت على غرورها، و تخطو ما ليس لمصلحتها من الخطوات الاقليمية و الداخلية، ازدادت المعارضات و كبر حجم الاحتجاجات و تلقى اردوغان من المواجهات و الاعتراض لم يسبقها بمثل هذه القوة طوال سنوات حكمه و صعود نجمه . تفرد اردوغان رغم النظام الجمهوري الشبه االديموقراطي الشرقي الغربي، الاسلامي العلماني، و التركي الاسلامي، و التوصيفة التركية الخاصة التي يسير عليها جعلته اي اردوغان ان يسير وفق هواه في اكثر الاحيان و يعتمد تكتيكات سياسية اكثر من اي استراتيجية سياسية نافعة بعيدة المدى لدولته .
عندما اجبر في اتخاذ خطوات مختلفة داخلية، و من قبيل ما اعتمدها من عملية السلام مع الكورد و تفائل الكثيرون به و لم ينهي منها الا و تلكا و بدا يضيق من الخطوات و يتملص من اداء الواجب الملقاة على عاتقه و يبدوا انه تراجع عن ما قطعه على نفسه من العهود و الوعود .
على الصعيد الداخلي ايضا، يبدو انه بدا في تضيق الخناق على منافسيه و ما يتخذه من حملات اعتقال وابعاد و مضايقة لانصار غولن، و حجزه للصحفيين من الصحف المعارضة اول ما استهل به انفراده، و بين به بداية الانتقالة الكبيرة من الديموقراطية النسبية الى السلطنة روحا و تطبيقا .
انه بنى قصرا فخما و يفتخر به و كانه هو من بنى مجدا تركيا لبلده بهذا القصر، و ليس قبله احد سواه، وتعرض لانتقادات شتى لان دولته لازالت تحتاج لكثير قبل بناء هذا القصر الذي يعتبر فخفخة و مظاهر اكثر من المراد في العمل على الصميم كما يُقال . و اسوا ما انتهجه هو تضيق الخناق على الصحافة التي تعتبر المقياس الرئيسي لحرية البلد و توضح مستوى تقدم اي دولة كانت . و عليه يسخر الجميع منه و هو يبني صرحا بالف و نيف من الغرف، و في البلد الملايين من الطبقة الكادحة الفقيرة المعدمة، و في الوقت ذاته يمكن ان يحجز فيه الصحفيين المعترضين، و كما يقول احد الصحفيين، انه بنى مضيفا للصحفيين الذين القي القبض عليهم في وضح النهار، و عليه ان يسميه سجنا اعلاميا و ليس قصرا عثمانيا .