دعوه لاعادة قراءة ثورة الحسين


كلما كتبت منشورا عن الحسين تحول النقاش الي صراع مذهبي و كأن الحسين يفرق و لا يجمع و كأن اسم الحسين صار ايقونه للصراع المذهبي 
كانت هناك فرصة حقيقية لخلق رمز تاريخي للوقوف في وجه الطغيان في الحسين حفيد الرسول (ص) لكن هذا الرمز المحتمل دخل في حمأة اختلافات أيديولوجية، سياسية الجذور، أثرت على البنية العقدية لأهم طائفتين إسلاميتين، قتل هذا الرمز بأيديهما، فالسلطة السنية تخلت عن البعد الرمزي الهائل لآل البيت في خطوة رعناء، والمعارضة الشيعية حولتهم إلى أيقونة مواجهة وانتقام،بل انه للأسف احيانا يتطور الامر الي ارتكاب جرائم قتل باسمه حتي و ان كان هذا الامر يرفضه الشيعه قبل السنه 
لا يشك عاقل بأن الحسين قتل مظلوماً، وقتل في مواجهة الطغيان، فهو نجل علي بن أبي طالب الذي لم يرفع سيفه من أجل الاستئثار بالسلطة يوم تقلدها غيره من الصحابة، إنما رفع السيف في وجه مغتصب السلطة دون وجه حق، يحزنني أن تنصرف مراجع السنة ومصادرهم إلى فضائل معاوية أكثر من انصرافها إلى فضائل علي، ويؤسفني ذلك التبرير السخيف بأن وجود معاوية كان ضرورة لبناء الدولة، وأن تحويله الخلافة إلى ملك عضود كان لغاية استقرار الدولة باستقرار نظامها الحاكم، ويؤسفني أيضاً تشويه الرمز الحسيني إلى أيقونة انتقام بدلاً من التركيز على قيمته النضالية ضد الطغيان ليكون نبراساً للشعوب ضد الطغاة، بدلاً من يكون رمزاً مذهبياً للانتقام من المذهب الآخر، مثلما يبدو لي الاستغراق الشديد في شخص الحسين حاجزاً عصياً أمام جعله أمثولة وقدوة، فاليوتوبيا التي تنسج حوله تصل إلى درجة رفعه إلى مستوى فوق بشري، بمعنى صعوبة أن يتمثله البشر.
تاريخ المسلمين غارق في الاستبداد، والسلطة السنية والمعارضة الشيعية كلاهما غفل عن البعد الرمزي الكبير الذي كان من الممكن أن يمثله الحسين، كصرخة رافضـة للطاغوت بأشكاله، فشخصية بهذا الوزن وهذه الرمزية لن يكون شأنها هامشياَ في قيادة الشعوب لقول كلمة الحق في وجه سلطان جائر، لا بد من إعادة قراءة سيرة الحسين ومأساة كربلاء بمنظور آخر غير المنظور المذهبي، فكل مسلم هو حسيني الهوية والهوى، ومن لم يكن أو تأول جهاد الحسين بغير وجهه إنما يخرج من الجذر الحقيقي للإسلام لغة واصطلاحاً وممارسة.
كان حرياً بالثائرون من كل الاديان و خصوصا المسلمون أن يرفعوا صور الحسين ، لو لم يتحول الحسين إلى إيقونة خلاف مذهبي: ابتعد عنه أهل السنة كأنما يتبرؤون من الشيعة، وأفرط فيه الشيعة واتخذوه رمزاً في وجه الأغلبية السنية. إن القيمة الرمزية للحسين الشهيد تكمن في مواجهة الطغاة في كل زمان، وليس فقط صب اللعنات على قاتليه إلى يوم الدين، حري بالحسين أن يجمع الفئتين لا أن يكون مقتله إلى اليوم مادة للصراع والعنف والدمار والقتل والحقد الذي تصدره كل فئة تجاه أخرى، كان حري به أن يعلم المسلمين أن رفض الطغيان والطاغوت جزء لا يتجزأ من هوية المسلم، وأن قيمة الإنسان فيما يحسنه من جهد لمواجهة الطغيان، لا في تحوير هذه المواجهة وشحنها بلحظة تاريخية مؤسفة وحزينة. حري بالحسين أن يشعل في أرجاء العالم الإسلامي شعلة الحرية والكرامة، بدلاً من مواكب الحزن أو تناسي المهملين، حري بالعاشر من محرم أو أربعينية الحسين أن تكون منطلقاً لمواكب الغضب تجاه قصور المستبدين بدلاً من الطواف حول قبره، فالحسين قيمته في قيمه و ثوريته ، لا في التربة التي امتصت جسده. بائس كل من يتخذ الحسين مادة للثأر، بائس كل من يعتدي على موكب جليل يتمثل قيم الحسين في الثورة على الظلم والاستبداد.
الحسين قتل بيد غاشمة ظالمة، قتل لأنه لم يرتض بؤس الاستبداد، لم يقتل بسبب مذهب مخالف ، قتل أعزلاً قوياً بما ينادي به من الحق، لم يجنب أحب أحبائه مغبة الوقوف في وجه السلطة ليكون نبراساً لكرامة الإنسان ومضرب مثل للتضحية الخالدة. سلام على الحسين المظلوم بين فئتين، فئة أهملته وتجاهلته، وفئة حرفت مقاصد تضحيته.
الحسين لو لم يقرا على محامل مذهبية لشكل قيمة رمزية وتاريخية لكل بائس ومظلوم في كل صقع وثقافة، فما أحرانا أن نعيد قراءة الحدث الكربلائي باهتمام ودقة وبعيداً عن التصورات المسبقة... لندرك أي حسيناً قد خسرناه باختلاف مذاهبنا وطوائفنا... وما أحرى بهذه المناسبة أن تكون منطلقاً لمواكب اسقاط الظلم والظلمات.