المتاهة بين وحدة الوجود ووحدة الموجود ووحدة الشهود والحلول والاتحاد


وحدة الوجود لدى ابن عربي وسائر الصوفية تختلف اختلافا جذريا عن وحدة الوجود المأخوذة عن الفهلويين من حكماء فارس، لأن الصوفية ينفون حقيقة الوجود عما سوى الخالق تبارك وتعالى ويزعمون ان الموجودات الظاهرة في العالم هي شؤونات له عز وجل وهي لا حقيقة لها في أنفسها بل هي وهم وخيال.بينما يرى الفهلويون وتبعا لهم السهروردي وملا صدرا ان الوجود حقيقة واحدة مشككة يرجع ما به الامتياز الى ما به الاشتراك، أي انها ذات مراتب متعددة في عين وحدتها ويمثلون لها بالنور الذي تكون له مراتب متعددة فمنه النور الشديد ومنه النور الضعيف وما بينهما، مع ان الاختلاف بين شدة الشديد وضعف الضعيف ليس في امر آخر خارج عن أصل النورية فالتفاوت بين جميع هذه المراتب هو بالنور لا بشيء آخر، وهكذا الوجود، فإنه وإن كان ذا حقيقة واحدة إلا ان له مراتب متعددة، فوجود الواجب بذاته أعلى وأتم وأقوى من وجود الواجب بغيره، ووجود العلة أقوى من وجدود المعلول وهكذا.إذا قال الصوفي: "لا أرى شيئاً غير الله"، فهو في حال وحدة شهود. اي حالة فناء وإذا قال: "لا أرى شيئاً إلا وأرى الله فيه"، فهو في حال وحدة وجود اي حالة بقاء بعد الفناء.ولقد تبين لي بأن من يقول بوحدة الوجود يفرق بينها وبين وحدة الموجود فمن يقول بوحدة الموجود يدعي بأن الله هو عين مخلوقاته وهي عقيدة تغاير بديهيات العقل وتتعارض مع المسلمات اليقينية ومبادئ واصول المعارف اليقينية الحقة المأثورة عن خاتم المرسلين و بيت الوحي والتنزيل عليهم الصلاة واسلام اجمع لانها تؤدي الى القول بالحلول او الاتحاد و معنى الحلول: أن الله سبحانه وتعالى عما يصفون خلق الخلق، وحلّ فيه، كما يحل الإنسان في الثوب الذي يلبسه، أو كما يحل الماء في التراب عند مزجه كالمزيج الفيزياوي، فيكونان بذلك اثنين متماسَّين تعالى الله. اما معنى الاتحاد: أنه سبحانه خلق الخلق و اتحد به ليكون امرا ثالثا كالاتحاد الكيماوي ، وضرب بعضهم مثلاً لذلك: اتحاد الكلور مع الصوديوم حيث يشكلان ملح الطعام. فيكونان بذلك متحدين، أومتماسَّين بالاتحادإنها تعني أنه ليس في الوجود إلا واحد هو الله وهو كل الخلق والموجودات اي ان كل ما نرى هو أجزاء منه تتعين بأشكال مختلفة، بما في ذلك أنا وأنت وهو وهي وهما وهم وهن، والأرض والشمس والقمر والنجوم والملائكة والجن تعالى الله عن ما يقولون علوا كبيرا ، بما في ذلك الشياطين والحيوانات والحشرات حتى تصل الى القول الى أنه لا فرق بين الحق والباطل ولا بين المجرمين في تاريخ البشرية كيزيد وشمر بن الجوشن القتلة سفكة الدماء ومنتهكي اقدس الحرمات والمقدسات والحسين وأهل بيته عترة المصطفى وخيرة الورى المقتولين المطهرين فكلهم مظاهر وصور لخالقهم فالحديث عن مثل اولئك المجرمين لا يصح التعرض اليهم بسوء لأنهم صورة الخالق وحقيقته واصله وغير ذلك من الأراجيف والسفاسف والخزعبلات والضلالات والأباطيل التي لا تنتهي إلا بنفي الزيغ والضال والبغي والفساد عن مرتكبيها وتشجع تكرارها لمرتاديها والعياذ بالله .بينما القائلون بوحدة الوجود يفسرون نظريتهم بأنها تعني بأن لا وجود حقيقي إلا لله فهو الحق ووجوده الحق وأن وجود الخلق كالسماء والأرض والإنسان وجود ظلي غير حقيقي لأنه يعتمد على الله في وجوده فلا وجود له ذاتا وإنما هو بمثابة الظل للإنسان فلولا الإنسان لما وجد ظله وهم إنما يقولون بهذا وغرضهم تنزيه الله عن مشابهة خلقه حتى على مستوى الألفاظ والأوهام والأفكار وحتى لا يرتسم في الذهن بأن وجود الخلق وجود حقيقي مقابل وجود الله فيكون المرء مشركا بتصوره هذا الذي يجعل فيه الخلق في مقابل الخالق فهم لا يعنون بكلامهم هذا نفي الخلق طبعا وإنما هو تنزيه الحق عن مشابهة خلقه في الوجود وبغض النظر عن صحة هذا القول من عدمه فهل يجوز تكفير من يقول بها رغم أنه ينفي أنها تعني وحدة الموجود؟ ليس الامر هكذا لانه ليس قول بالحلول والاتحاد.