أللهم إحفظ تونس!!

 

 

من عجائب الديمقراطيات العربية أنها تشترك بسلوك متميز مفاده , أن الأحزاب الإسلامية تستحوذ على السلطة وتفشل في التعبير الديمقراطي, وإرضاء طموحات الجماهير التي ثارت , وأن جميع الأحزاب التي تسمي نفسها معارضة وعاشت في المنفى , قد فشلت في حكم البلاد التي تسنمت السلطة فيها , وقدمت أوضح الأمثلة على ذلك الفشل المروّع.

 

وفي تجربة تونس الديمقراطية , توجهت إرادة الشعب نحو البحث عن الأمان والثقة بالسلطة , فأدركت بحس لا وعيها أن لا بد من التواصل مع تلك الروح الوطنية البورقيبية , حتى يتحقق النضج الديمقراطي بخبراته ومهاراته اللازمة لصناعة المستقبل الأفضل.

 

وهذا يعني أن الجماهير التونسية قد أدركت ما يلوح في أفق الأيام , وإختارت ما هو أهون رغم ما عندها عليه من تحفظات ووجهات نظر , لكنها تعرف بالفطرة أن الذي تعرفه خير من الذي لا تعرفه , وأصحاب الخبرات والتجارب أفضل من العقائديين المؤزرين بالأمية السياسية والقيادية.

 

وما تحقق في تونس عين العقل , وقد حذت حذو عدد من دول أوربا الشرقية بعد سقوط الإتحاد السوفياتي , حيث تواصل في عدد منها قادة الحزب الشيوعي في بناء الدولة وقيادة الإنتقال الديمقراطي , حتى تأهلت أحزاب شبابية وإمتلكت الخبرات والقدرات القيادية اللازمة , ففازت في الإنتخابات وحكمت البلاد وفقا لتطلعات الشعب ومنطلقاته , بعد أن وثق بالجيل الديمقراطي الجديد , وبهذا تم المضي في مسيرة الدولة القوية وفقا لتفاعل الأجيال وتواصلها الصحيح.

 

وما يجري في تونس يقع ضمن هذا المفهوم , الذي قد يتصوره البعض بأنه ضربة قاصمة للديمقراطية وعودة إلى المربع الأول , وهذا خطأ في الفهم , لأن الشعوب الحية لا يمكنها أن تقدِم على الإنتحار كما حصل في عدد من دول الربيع العربي , التي حطمت حاضرها ومستقبلها ودمّرت بلادها وهجّرت أبناءها , وحوّلت أوطانها لسوح خراب ونكوص حضاري فظيع.

 

الشعب التونسي الواعي الحي يسير في الدرب الصحيح , وربما يحتاج لفترة حضانة ديمقراطية تساهم في ولادة الصورة الوطنية التي قامت من أجلها الثورة , وما هذه الخطوة إلا مرحلة راجحة وتدريبية لصناعة المهارات والكفاءات والقدرات الديمقراطية المؤهلة للقيادة الوطنية الطامحة.

 

وتجربة تونس تؤكد بوضوح أن الديمقراطية لا يمكنها أن تلد قادة مستوردين من الخارج , مهما توهموا وإدّعوا النضال والكفاح , لأنهم قد إنقطعوا عن الشعب والحياة المتواصلة في ميادين البلاد , والحق للإنسان الذي بقي في بلاده , فهو الأدرى والأعرف بها , وجميع القادمين من الخارج في البلدان العربية التي ثارت فشلوا فشلا ذريعا.

 

ولا تشذ عن ذلك تونس , التي وضعت رئيسا في الحكم على مدى ثلاثة سنوات , ولم يقدم ما هو متميز ومعبر عن حنكة قيادية وطاقات إلهامية للجموع الثائرة , وإنما بذر فيها الخوف والتوجس وعدم الثقة بالحاضر والمستقبل , وكان من الصواب الرجوع إلى الذين خبرهم وعرفهم , لعله يجد ضالته , ويصل إلى أهدافه.

 

ويبدو أن الخيار التونسي سيعطي ثماره ونتائجه الباهرة في السنوات القادمة , وأملنا أن لا ينزلق بعض الأخوة في متاهات الصراعات والتوهم بأن الثورة قد فشلت أو ضاعت , فهذه خطيئة كبيرة.

 

ومن المعروف أن الشعوب تحتاج لفترة مراجعة وتأمّل وتفاعل آمن لكي تنطلق قدراتها الأصيلة ذات المردودات الحضارية المتميزة , وإنشاء الله يصل الشعب التونسي موحدا إلى سوح تحقيق إرادته الوطنية الرفيعة.

 

تحية عربية عراقية لشعب تونس الواعي , الذي أيقظنا من رقدة العدم , ومضى قدوة ثورية ديمقراطية متوهجة بالسؤدد والرجاح!!