العراق يتسول


قد لا يعلم الكثير من الساسة الذين يحكمون في بغداد بأن سياساتهم الخاطئة ستوصل بلادهم قريبا الى الهاوية ، فالأنفاق الحكومي المبالغ فيه والذي لم يأتي بمردودات ايجابية رغم فداحته منذ عشر سنوات ، والعشوائية في صرف المال العام ، دون ان تكون هناك خطط مستقبلية لتقليل الاعتماد على المردودات النفطية ، كلها معطيات تنبأ بأن العراق مقبل على ازمة اقتصادية خانقة .
واذا كانت المدخولات النفطية التي تصل الى حد التخمة كانت قد غطت على الفساد المالي والاداري ، والفضائيين والأرضيين طوال الفترة السابقة ، فأن الانخفاض الفظيع لأسعار النفط قد جاء في وقت حرج وغير مناسب ، حيث تعاني الدولة العراقية من مشاكل وازمات اصغرها من الممكن ان تطيح بأكبر دولة في العالم ، فكيف بدولة ضعيفة ومترهلة مثل العراق ؟ ، فالعراق بات اليوم يعاني من ازمة أمنية تتمثل في خروج اكثر من محافظة عن سلطة الدولة ، وهذه الازمة نتج عنها ازمات اخرى ، اهمها واكثرها خطورة هي ازمة النازحين ، الذين امتلأت بهم شوارع المدن ومساجدها ومدارسها ، ومع ذلك بقي اكثر من نصفهم بلا مأوى ، وهؤلاء تُطالب الدولة بتوفير ميزانيات ضخمة لإسعافهم والتقليل من معاناتهم .
وكل ذلك كان قد ترافق مع تجنيد الدولة لعشرات الالاف من الجنود الذين تحتاج عمليات تسليحهم وتدريبهم الى اموال طائلة من اجل زجهم في العمليات العسكرية المستمرة منذ عدة اشهر ، خاصة بعد ان ضاعت كل امكانيات الجيش العراقي بعد 2003 ، المادية والمعنوية ، في ساعات قليلة .
لقد انهكت هذه الأزمات الكبرى كاهل الدولة العراقية وافرقت خزائنها من العملة الصعبة ، واضطرتها الى ان تستدين من الخارج وان تستورد السلاح والحاجيات الضرورية الاخرى ، خاصة العسكرية منها بالدفع الأجل .
وفوق كل هذا وذاك ، وبالرغم من تبديل الكثير من الشخصيات السياسية المهمة في الحكومة العراقية والبرلمان ، الا ان التخبط وعدم وضوح الرؤية لازال هو السمة البارزة لأغلب الساسة في العراق ، ففي الوقت الذي تشتعل فيه بلادهم بكل الازمات التي ذكرناها اعلاه والتي لم نذكرها ، ينشغلون بتصفية الحسابات الشخصية ، واتهام بعضهم للبعض الأخر بالطائفية والعنصرية او بسرقة المال العام مع انهم يشتركون في كل الاخفاقات التي يتعرض لها العراق ، دون ان يديروا دفة الدولة التي يسيطرون على مقدراتها ذات اليمين او ذات الشمال لكي يجنبوها مخاطر الاصطدام بالأزمة الاقتصادية المرتقبة الناجمة عن انخفاض اسعار النفط وازدياد حجم الانفاق الحكومي ، والتي اذا ما وقعت فأنها لن تنتهي الا والعراق يتسول ويستجدي المساعدات والمعونات الدولية ، وحتى التسول سوف لن ينقذه من شبح الحرب الاهلية الشاملة والتقسيم الذي سينجم عن عجز الدولة عن الانفاق على الادوات التي من الممكن ان تمسك عن طريقها بوحدة البلاد ، خاصة المؤسسة العسكرية .