المواطن والبصرة في موازنة عام 2015


في الدول التي تتمتع بتاريخ برلماني عريق وتقاليد ديمقراطية راسخة يكون من المعتاد ان توجد في برلماناتها دائرة مختصة بالموازنة مهمتها التنسيق بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية ( وزارة المالية ) ونقل وجهة نظر البرلمان والاهداف المطلوب تحقيقها الى السلطة التنفيذية ومتابعة ترجمة هذه الاهداف تفصيليا وتضمينها في الموازنة العامة . ويبدو ان البرلمان العراقي يفتقد الى هذه الآلية ولذلك يفاجئ العديد من اعضاء مجلس النواب وربما الكتل البرلمانية والسياسية بالكثير من البنود التي تتضمنها الموازنة وربما يعد هذا احد الاسباب المهمة للتأخير المتواصل في اعداد الموازنات العراقية والاعتراضات التي يبديها العديد من أعضاء مجلس النواب للكثير من فقرات الموازنة . وفي العديد من الدول ومنها الكويت يوجد ما يسمى ب ( موازنة المواطن ) التي ترمي الى اطلاع المواطنين وبشكل تفصيلي على مفردات الموازنة وأهداف السياسة المالية في البلد والمشاريع المدرجة في الموازنة والوضع المالي للبلد .
تعد موازنة العراق الاتحادية لعام 2015 من أكثر موازنات العراق جدلا ليس بين الكتل السياسية التي وللمرة الأولى تبدو أكثر توافقا عليها من أي وقت مضى ولكن الجدل والامتعاض امتد من الباحثين والمهتمين بالشأن الاقتصادي الى منظمات المجتمع المدني والى عموم المواطنين لان هذه الموازنة قد صممت بطريقة يراد منها الاقتصاص من الفقير والموظف وعموم الناس على الرغم من أنها ثالث اكبر موازنة في تاريخ العراق . لقد حملت الموازنة اصحاب الدخول الثابتة والفقراء اعباءا كبيرة من خلال تخفيض الدخول النقدية للموظفين وبنسب متفاوتة من خلال الادخار الإجباري الذي فرضته الموازنة وهو ما سيؤدي لاحقا إلى الإضرار بمستوى معيشة الموظف العراقي علما ان عدد الموظفين في العراق أكثر من 3 مليون موظف واذا ما اعتبرنا ان حجم العائلة في العراق هو 5 اشخاص فهذا يعني الحاق الضرر بنحو 15 مليون عراقي . ولم تكتف الموازنة بذلك بل امتد القصاص الى رواتب الموظفين من خلال الإمعان في تخفيض دخولهم الحقيقية من خلال حزمة من الضرائب التي اعتمدتها الموازنة على الهاتف النقال والانترنيت وتذاكر السفر والماء والكهرباء والخدمات البلدية وحتى تكتمل الصورة القاتمة للناس جرى تخفيض المبالغ المخصصة للبطاقة التموينية الى 5و2 ترليون دينار بعد ان كانت 4 ترليون دينار في عام 2013 وهو ما سيفاقم الفقر في البلاد . ان الاتكاء على الوضع الخاص الذي يمر به العراق والحرب الجهادية التي يخوضها ضد الارهاب الداعشي غير مبرر اطلاقا لهذه السلسلة من الاجراءات التي تستهدف المواطن العراقي وبالذات اصحاب الدخول المحدودة لان الانفاق على الامن والدفاع مرتفع في كل الموازنات العراقية ففي موازنة عام 2014 خصص للامن والدفاع 7و23 ترليون دينار والارتفاع الحاصل في هذه النفقات الى 8و31 ترليون دينار يمكن توفيره من خلال اعادة هيكلة مؤسسات الدولة والغاء بعض التشكيلات غير المبررة وضغط النفقات التشغيلية وخاصة المتعلقة بالنثريات والمكافآت والايفادات وشراء الاثاث والسيارات وتقليص حمايات المسؤولين وعدد الدرجات الخاصة ورتل المستشارين الذين تزيد رواتبهم عن 12 مليون دينار ومعظمهم لايقدم مايكفي لكي يستحق هذا الراتب المرتفع . ونأمل ان يمتد الشعور الوطني الى الغاء العديد من المناصب الفضائية التي تكلف الدولة مبالغ كبيرة جدا . وعلى السلطتين التنفيذية والتشريعية ان تعزز من اجراءات مكافحة الفساد وان لا تكتفي بمعاقبة المفسدين فقط وانما السعي الجاد لاسترجاع اموال الشعب من حيتان الفساد الكبيرة . 
ومن الضروري فتح ملفات جولات التراخيص النفطية وتدقيق التكاليف المبالغ فيها كثيرا التي اسهمت بشكل واضح للعيان في مضاعفة ارباح الشركات النفطية الاجنبية التي تحصل حاليا على اضعاف ما مثبت في جولات التراخيص وربما تصل ارباحها الى 12 دولار للبرميل الواحد وهو ما ادى الى ارتفاع مستحقات الشركات الاجنبية النفطية التي يجب تسديدها في موازنة عام 2015 الى 12 مليار دولار من اصل 27 مليار دولار ترى الشركات أنها أنفقتها دون رقيب على استثماراتها في حقول النفط الجنوبية 
كما ان من الممكن جدا تخفيض الإنفاق الاستثماري في العراق لان معظمه غير مجد وغير فاعل ولم يترك اثرا ايجابيا على الاقتصاد والمجتمع العراقي بل انه يمثل واحة واسعة للفساد في العراق وبهذا الصدد يقول المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء الدكتور مظهر محمد صالح بأن ( هناك اكثر من 8000 مشروع خصصت له 270 ترليون دينار منذ عام 2009 وهذه المشاريع أما إنها وهمية أو إنها أهملت بعد ان استلم المقاولون السلف التشغيلية ) وهذا يعني أن جزءا كبيرا من هذه الأموال قد امتد اليها الفساد مما تسبب في هدر مبالغ كبيرة جدا كانت مخصصة للبناء والاعمار .

الافتراضات الأساسية لموازنة عام 2015
1- سعر النفط = 60 دولار
2- معدل تصدير النفط الخام = 3و3 مليون برميل يوميا منها 250 ألف برميل يوميا عن النفط المصدر من إقليم كردستان و 300 الف برميل يوميا من نفط كركوك والمتبقي وقدره 750و2 مليون برميل يوميا يصدر من حقول الوسط والجنوب
3- سعر صرف الدولار مقابل الدينار = 1166

المؤشرات الإجمالية في الموازنة العراقية لعام 2015
• الإيرادات العامة = 801و99 ترليون دينار
• النفقات العامة = 032و125 ترليون دينار
• العجز = 401و25 ترليون دينار وبنسبة 2و20%
• النفقات التشغيلية = 976و79 ترليون دينار
• النفقات الاستثمارية = 226و45 ترليون دينار 
• نسبة النفقات التشغيلية الى اجمالي الموازنة = 7و63%
• نسية النفقات الاستثمارية الى اجمالي الموازنة = 3و36
• نسبة نفقات الامن والدفاع الى النفقات العامة = 30%
• نسبة مساهمة النفط في الايرادات العامة = 85%
• نسبة مساهمة المصادر غير النفطية في الايرادات العامة = 1

الايرادات العامة

* المصدر الرئيسي للإيرادات العامة يتأتى من الإيرادات النفطية التي تشكل اكثر من 92%,. وهذا يعني أن تقديرات الإيرادات العامة مرتبطة بتقديرات الكميات المتوقع تصديرها من النفط الخام فضلا عن تقديرات أسعار النفط العالمية المتوقعة وهي عوامل تتميز بالتقلبات وأحيانا الشديدة ، مما يوجب الحذر عند تقدير كل من النفقات العامة ( وخاصة النفقات التشغيلية الجارية) والإيرادات العامة .إن الموارد المالية المتأتية من النفط الخام المصدر احتسبت على أساس تصدير 3و3 مليون برميل يوميا كمعدل وبسعر تصدير قدره 60 دولارا للبرميل الواحد ، أن زيادة صادرات النفط من 5و2 مليون برميل عام 2014 إلى 3و3 مليون برميل يوميا عام 2015 يتطلب انجاز بناء المخازن وانابيب نقل النفط الخام الإستراتيجية (التي شرعت بها وزارة النفط) ، فضلا عن استحداث منافذ تصدير جديدة كخطوط النقل المزمع بناءها باتجاه سوريا ، للحد من توقف التصدير بسبب الأحوال الجوية والأعمال التخريبية وغيرها من المخاطر التي تهدد صادرات النفط العراقية . ولاتدل المعطيات الحالية على امكانية وصول الصادرات العراقية الى مستوى 3و3 مليون برميل يوميا لان هذا الامر يتطلب تحقيق افتراضين مهمين هما : الاول الالتزام الدقيق من قبل كردستان بتسليم الكميات المتفق عليها مع بغداد وقدرها 550 الف برميل يوميا وتصديرها من خلال انبوب نفط كردستان الى تركيا . والثاني ضرورة رفع مستوى الصادرات من حقول الوسط والجنوب من 5و2 مليون برميل عام 2014 الى 750و2 مليون برميل يوميا 
واعتماد سعر 60 دولار للبرميل , امرا غير واقعي لأنه لا يتحقق إلا عندما يكون سعر نفط برنت 70 دولار في الاسواق العالمية , باعتبار ان النفط العراقي يباع بأقل قرابة السبع دولارات عن نفوط الدول الاخرى , حيث ان ( سومو ) تتبع اسلوب البيع بأسعار تشجيعية للمشترين تقل بمقدار 3 دولارات للبرميل عن الاسعار السائدة ويتم خصم 40 سنت عن فارق كل درجة في الكثافة مما يعني خصم 2,8 دولار عن كل برميل لان درجة كثافة النفط العراقي المصدر تبلغ 27 درجة وهو يقل بمقدار 7 درجات من نفط برنت ( الخفيف ) الذي تبلغ درجة كثافته 34 , كما يتم خصم اقل من نصف دولار عن كمية الماء التي ترافق النفط عن كل برميل , فضلا عن خصومات تتعلق عن بدلات تأخير التحميل في الموانئ وتكاليف المخاطرة التي تتقاضاها شركات التامين .
معظم التوقعات التي قامت بها وكالة الطاقة الدولية والمؤسسات النفطية لاتشير الى امكانية تحسن سعر النفط خلال عام 2015 وهو ماسيضع الموازنة العراقية في ازمة كبيرة كان من الممكن تفاديها من خلال اعتماد سعر متحفظ للنفط العراقي المصدر بحدؤد 50 دولارا للبرميل 

* تسهم الإيرادات غير النفطية بأقل من 15% من إجمالي الإيرادات العامة . وتعكس هيمنة الإيرادات النفطية على الإيرادات العامة وتدني مساهمة الأنشطة غير النفطية طبيعة الاختلال الكبير والمستديم الذي تعاني منه الموازنات العراقية منذ عدة عقود والتي تؤشر بدورها مدى هشاشة الاقتصاد العراقي وتبعيته المتزايدة لسلعة النفط . إن المساهمة الضئيلة للإيرادات غير النفطية تتناقض مع السياسة المعلنة للحكومة الهادفة إلى تنويع الإيرادات ..
ان حجب الدعم عن مشاريع القطاع العام الصناعي ، يضع قيدا كبيرا امام التطور الاقتصادي في البلاد بالاتجاه الذي يؤدي الى تنويع مصادر الدخل لاسيما وان التطور الصناعي هو المفتاح لأي تطور لاحق في القطاعات الاقتصادية الأخرى 

النفقات العامة
* بلغت النفقات العامة في موازنة عام 2015 203حوالي و125 ترليون دينار منها 976و79 ترليون دينار للانفاق التشغيلي 
*ارتفاع نفقات الأمن والدفاع الى 862و31 ترليون دينار التي باتت تشكل نحو 25% من إجمالي الإنفاق العام بزيادة مقدارها 8 ترليون دينار عن موازنة عام 2014 وهو يعني إن المؤسسات الأمنية مازالت تلتهم جزءا مهما من الموارد المالية للدولة العراقية ، غير أن هذا الارتفاع في نفقات الأمن والدفاع يرتبط بالحرب الجهادية التي يخوضها العراق ضد الارهاب الدولي والحاجة إلى تجهيز المؤسسات الأمنية لإغراض الأمن والدفاع الخارجي . وهو ما يعطي لهذا الانفاق الاولوية لانه مرتبط بوجود ومستقبل العراق 
* تستحوذ النفقات التشغيلية على 7و63% من إجمالي النفقات العامة في موازنة عام 2015 وهي نسبة مرتفعة جدا .
يمكن الاستنتاج إن الارتفاع الكبير في الإنفاق العام انصب على الإنفاق التشغيلي الجاري بشكل أساس وهو ما يشكل مؤشرا خطيرا في دولة نامية كالعراق التي تحتاج إلى موارد كبيرة وهائلة لإعادة اعماره في كل المجالات ابتداء من البنى التحتية بما فيها التعليم والصحة والإسكان والطرق إلى قطاعات النفط والصناعة والزراعة بالإضافة إلى توفير الحد الأدنى لمستويات معيشة تليق بإنسان في بلد متخم بالموارد. 

النفقات الاستثمارية

*بلغت النفقات الاستثمارية نحو 226و45 ترليون دينار في موازنة عام 2015 ، وبنسبة 3و36% من احمالي النفقات العامة وهو اتجاه منسجم مع حاجة الاقتصاد الماسة لمزيد من الاستثمارات في البنى التحتية وفي إعادة الهيكلة ومتطلبات التنمية البشرية.
*أمام المهام الكبيرة المتعددة التي تتطلبها عملية التنمية كان بالإمكان أن تزداد التخصيصات الاستثمارية بمقادير ونسب اكبر فيما لو تم تخفيض تخصيصات النفقات التشغيلية الجارية . إن احد أهم الآثار المباشرة لانخفاض الأهمية النسبية للإنفاق الاستثماري تعرض الاقتصاد إلى الضغوط التضخمية بتأثيراتها السلبية المعروفة على مستويات المعيشة 
*وجود خلل كبير في توزيع التخصيصات الاستثمارية بين القطاعات الاقتصادية. فمثلا كانت حصة الزراعة 17و0%من اجمالي التخصيصات الاستثمارية في موازنة عام 2015. اما الصناعة والمعادن فلم تزد حصتها 24و0% من اجمالي الانفاق الاستثماري في موازتة عام 2015 .
إن هذا الشكل من التوزيع للتخصيصات الاستثمارية جاء منسجما مع السياسات والتوجهات الجديدة التي حكمت جميع موازنات ما بعد التغيير 2003 ,التي تنص علي انسحاب وتحجيم دور الدولة في النشاط الاقتصادي والاعتماد على القطاع الخاص بشكل أساس في تحقيق التنمية والتطور تحت تأثير الالتزامات الدولية المتمثلة باتفاقية صندوق النقد الدولي ووثيقة العهد الدولي إلا أن الحكومة العراقية لم تصمم وتنفذ السياسات الخاصة بتعزيز أهمية ومكانة القطاع الخاص في الاقتصاد العراقي .

عجز الموازنة الاتحادية لعام 2015
العجز المخطط سيكون بمقدار 25,4 تريليون دينار وتتم تغطيته من الادخار الوطني ( 2 تريليون ) والأرصدة المدورة (3 تريليون ) وحقوق السحب ( 2 تريليون ) وسندات خارجية (6 تريليون ) وسندات الدين العام عن طريق الاحتياطي القانوني للمصارف ( 6 تريليون ) وقروض وحوالات خزينة من ال TPI (3 تريليون ) وحوالات الخزينة من المصارف الحكومية ( 3 تريليون ) .
وقد خول مشروع قانون الموازنة , وزير المالية للاقتراض لغرض سد العجز بقيمة ( 4,5 ) مليار دولار من صندوق النقد الدولي و2 مليار دولار من البنك الدولي و1,8 مليار دولار من حق السحب الخاص SDR ونصف مليار من البنك الاسلامي للتنمية و12 مليار دولار كحوالات خزينة لدفع مستحقات الشركات النفطية العاملة في العراق وكان من المفترض ان تكون هذه المستحقات ضمن النفقات إلا انها استبعدت لكي لا يتضخم رقم العجز الى نحو 40 ترليون دينار 
* اصبح العجز صفة ملازمة للموازنات العراقية ولم تستثن موازنة عام 2015 من هذه الصفة اذ بلغ العجز فيها نحو 4و25 ترليون دينار وهو الاكبر في تاريخ الموازنات العراقية
* إن مصدر الخطورة الحقيقية, كقاعدة عامة, يتأتى من الربط الوثيق بين نمو عجز الموازنة ونمو المديونية الداخلية والخارجية . وهذا الأمر قد يدخل الاقتصاد والموازنات اللاحقة في حلقة مفرغة ذات آثار مدمرة للاقتصاد. ويتضح ذلك بشكل جلي في موازنة عام 2015 التي تؤكد بان العجز في السنوات السابقة كان عجزا تخطيطيا تم تغطيته من فوائض الموزانات السابقة وان العجز في موازنة عام 2015 هو عجز حقيقي يفرض على العراق يتم تغطيته من الاقتراض من المصادر الداخلية والخارجية .
إذن من الناحية الموضوعية فان الظروف الاستثنائية الانتقالية التي مر ويمر بها العراق أدت إلى نمو النفقات العامة وعجز الموازنة بمعدلات مرتفعة . لكن من الناحية الأخرى يجب التأكيد على أهمية تخفيض هذه المعدلات بشكل كبير فيما يخص الإنفاق التشغيلي , ورفع نسب انجاز وتنفيذ مشاريع المنهاج الاستثماري في البنى التحتية وفي القطاعات الحقيقية الإنتاجية الزراعية والصناعية . وهو ما تفتقد اليه موازنة عام 2015 التي خصصت مبالغ ضئيلة جدا من النفقات الاستثمارية لم تزد عن 110 مليار دينار للصناعة و80 مليار دينار للزراعة مما يبقي العراق في دائرة الاقتصاد الريعي ومن ثم تصبح الموازنات العراقية مجرد توزيع لمبيعات النفط على المواطنين ومؤسسات الدولة ومن ثم يستمر العراق يدور في هذه الحلقة المفرغة من التخلف الشديد الذي يضرب المفاصل الحيوية في الاقتصاد العراقي ويجعل منه مجرد بلد مستهلك يعيش على ما ينتجه الآخرون معتمدا في ذلك على تسييل ثروته النفطية فقط وهي ثروة ناضبة وتحويلها الى سلع مستوردة دون أي اهتمام لبناء القاعدة الانتاجية الوطنية التي توفر متطلبات السوق العراقية بالسلع والخدمات وهو ما يؤشر قصورا كبير في السياسة الاقتصادية والادارة الاقتصادية للبلد وتشير الى مدى التخلف الشديد في الفكر المالي في العراق الذي ما زال يعمل بالمثل القائل ( اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب ) ، بل ان السلطات العراقية التنفيذية والتشريعية المتعاقبة منذ عام 2004 لم تفكر حتى في تكوين صندوق للاستقرار الاقتصادي او صندوق للثروة السيادية يحتوي على الفوائض من اموال النفط يمكن ان تستفيد منه في حالات انخفاض عائدات النفط وهو ما فعلته العديد من الدول النفطية ومنها دول الخليج العربي وكل ما فعلته السلطات العراقية هو ايجاد موازنات تكميلية في حالة ارتفاع العائدات النفطية او تدوير الفوائض الى السنوات اللاحقة مثلا بلغ الفائض عن موازنة عام 2013 حوالي 6و18 مليار دولار تم تدويره كرصيد افتتاحي في موازنة عام 2014 التي كانت اكبر موازنة في تاريخ العراق بقيمة 150 مليار دولار وكان يمكن لهذا المبلغ ان يشكل النواة لصندوق الثروة السيادية في العراق .

موازنة البصرة لعام 2015
تم تخصيص 5و3 ترليون دينار لتنمية اعمار وتنمية الاقاليم والمحافظات بضمنها اقليم كردستان ، يتم توزيعه حسب نفوس كل محافظة . ولذلك تكون حصة البصرة من تنمية الاقاليم نحو 269 مليار دينار بوصف أن سكان البصرة يشكلون نحو اقل من 8% من سكان العراق على وفق تقديرات وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي . 
اعتمدت الموازنة العراقية لعام 2015 مبلغ 2 دولار عن كل برميل نفط خام منتج و2 دولار عن كل برميل نفط مكرر و2 دولار عن كل 150 متر مكعب منتج من الغاز في المحافظة . 
غير ان محافظة البصرة ( والمحافظات المنتجة الاخرى ) ستحصل على (1) دولار عن كل برميل نفط خام منتج في المحافظة و (1) دولار عن كل برميل نفط مكرر في مصافي المحافظة و (1) دولار عن كل (150) متر مكعب منتج من الغاز الطبيعي في المحافظة وسيصرف المبلغ المتبقي في حال تحقيق زيادة في ايرادات النفط المصدر ولم تشر الموازنة الى الوضع الذي سيكون عليه المبلغ المتبقي في حال لم تتحقق زيادة في ايرادات النفط المصدر ، هل ستدور هذه المبالغ الى السنة القادمة ام ستسقط وتلغى ؟ وفي كل الاحوال فان مسودة موازنة 2015 لاتنسجم مع متطلبات قانون المحافظات رقم 23 الذي اعطى للمحافظات المنتجة للنفط والغاز 5 دولارا عن كل برميل نفط خام منتج واخرى للنفط المكرر و 5 دولارات لكل 150 متر مكعب من الغاز . وقد خلت موازنة عام 2015 من تدوير الأموال السابقة وإعادتها الى المحافظة خاصة وان البصرة لديها اموال مدورة تقارب الـ ترليون و 700 مليار دينار.
كما ان "الموازنة خلت ايضا من موارد المنافذ الحدودية، حيث تبلغ أموال البصرة من تلك المنافذ 400 مليار دينار بواقع 200 مليار في العام 2013 و 100 مليار في العام 2014 ومثلها في العام 2015
ان حصة البصرة من البترودولار البالغة نحو 1043 مليار برميل ( أي 59%من إجمالي تخصيصات البترودولار في العراق البالغة 1752 مليار دينار ) قد احتسبت على اساس معدلات انتاج النفط لعام 2014 وهو ما يشكل حيفا كبيرا للبصرة لان الموازانة تقدر على اساس السنة القادمة وليس السنة الحالية . وعلى ذلك يكون إجمالي الموارد المالية المتوقع أن تحصل عليها المحافظة في عام 2015 على وفق معدلات انتاج النفط لعام 2014على النحو الآتي :

1- 915 مليون دولار عن إنتاج 5و2 مليون برميل يوميا من حقول البصرة .
2- 55 مليون دولار عن إنتاج نحو 150 ألف برميل يوميا من المنتجات النفطية 
3- 100 مليون دولار عن إنتاج نحو 3220 متر مكعب يوميا من الغاز الجاف و 297765 متر مكعب من الكازولين و 640710 طن من الغاز السائل .

حصة البصرة الحقيقية من البترودولار = 1070 مليون دولار= 620و1247 مليار دينار 
حصة البصرة من البترودولار في موازنة عام 2015 = 883و1043 مليار دينار 
الفرق الذي يجب ان يدفع للبصرة = 620و1247- 883و1043 = 737و230 مليار دينار
ولو احتسبت حصة البصرة على اساس معدلات انتاج النفط لعام 2015 فان موازنة البصرة من البترودولار ستزداد بمقدار 73 مليون دولار اي بنحو 85 مليار دينار وبهذه الحالة ستصبح موازنة البصرة من البترودولار مايعادل 1332 مليار دينار والفرق الذي يجب ان يسدد للبصرة هو 737و315 مليار دينار .
.والغريب ان حصة البصرة من البترو دولار المثبتة في الموازنة والبالغة نحو 1043 مليار دينار تعادل فقط اربعة اضعاف حصة كركوك من البترو دولار والبالغة نحو 248 مليار دينار علما ان انتاج كركوك قد توقف منذ احتلال الموصل في بداية حزيران عام 2014 وان انتاجها لم يزد عن 300 الف برميل يوميا في النصف الاول من عام 2014 ، بمعنى آخر ان معدل انتاج كركوك خلال عام 2014 لم يزد عن 150 الف برميل يوميا في حين ان معدلات انتاج النفط الخام في البصرة قد زادت عن 5و2 مليون برميل يوميا خلال عام 2014 وعلى ذلك ينبغي ان تزيد حصة البصرة بمقدار 16 مرة عن حصة كركوك . واذا ما اعتمدنا على تقديرات الموازنة لانتاج النفط في العراق عام 2015 فإن انتاج كركوك من النفط الخام لا يزيد عن 400 أف برميل يوميا مقابل 7و2 مليون برميل يوميا فإن هذا يعني بوضوح ان حصة البصرة من البترو دولار تبلغ نحو سبعة اضعاف حصة كركوك . وترتفع حصة البصرة اكثر من ذلك اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار الانتاج الكبير للنفط المكرر والغاز الطبيعي في البصرة