ذنوب النبي واساءة القرآنيين لمقام النبوة (الجزء الأولى) بقلم: خلدون طارق

 

تناول بعض الاخوة من القرآنيين في كتاباتهم مفهوم العصمة للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم في ضوء القرآن الكريم وتناولوا عدة آيات المغزى منها توضيح ان النبي كان معصوما فقط في مسألة الوحي ويجوز ان يصدر منه الذنب، ولكن لم يوضحوا هل يرتكب النبي الصغائر ام الكبائر من الذنوب ولم يوضحوا ايضا ما معنى الذنوب ؟!

فما فهموه من الآيات القرآنية وأكرر ما فهموه منها يقتضي ان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم من الممكن ان يقترف الكبيرة فما بالك بالصغيرة لان العصمة بحسب ما عرفوها تخص الوحي اما ما دون ذلك فهو بشر يخطئ ويصيب وبما ان البشر من الممكن ان يرتكب الكبيرة والصغيرة فانه من الممكن للنبي ان يرتكب الكبيرة وان قالوا بخلاف هذا فبيننا وبينهم الدليل ونريد دليلا من القران الكريم يثبت ان النبي معصوم من الكبائر دون الصغائر ولن يستطيعوا ان يأتوا بمثل هذا الدليل ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا.

ولكن قبل ان نقوم بتناول الآيات التي استشهدوا بها التي تثبت وقوع الذنب من قِبل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم سأتناول اولا أصل مفهوم العصمة في القران الكريم، ما دام القران الكريم هو مرجعهم الوحيد كما يدعون لأثبت لهم ان بحسب مفهومهم الغير كافي ان النبي غير معصوم من الكبائر والصغائر فمن اين اتوا بان النبي معصوم من الصغائر فقط؟! وحاشى للنبي طبعا ان يذنب الذنوب التي يفهمونها والتي سنبينها في اجزاء لاحقة، لذا فلنراجع الآيات التي تناولت العصمة في القران الكريم، وهي:

  1. وَالَّذِينَ كَسَبُواْ السَّيِّئَاتِ جَزَاء سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يونس 27

  2. قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ هود 43

  3. يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ غافر 33

  4. يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ المائدة 67

  5. قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا الأحزاب 17

  6. قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ يوسف 32

  7. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ الممتحنة 10

وكل تلك الآيات تورد معان للعصمة لا تشمل الابتعاد عن الذنوب انما تعني الحماية من الأذى واللجوء الى ركن قوي وامتلاك الزمام، فاذا نحن نسجل تحفظاتنا من وجهة النظر القرآنية لمفهوم العصمة فالنبي معصوم من أذى الكفار، وان حياته حفظت من قبل المولى لأنه كان ملزما بتبليغ رسالة الله تعالى الخاتمة الى كل البشر، لذا فمن الطبيعي لله تعالى ان يحفظ حياته حتى يبلغ الرسالة، وبالفعل ما قُبضت روح النبي إلا بعد إكمال الدين واتمام النعمة ونزول سورة النصر التي نعت رسول الله تعالى. وبالتالي ان مفهوم العصمة بحسب مرجعهم غير موجود أصلاَ إلا في آية واحدة التي تقول (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى) مع العلم ان بعض المفسرين بل ومعظم القرآنيين يقولون ان تلك الآية نزلت في جبريل عليه السلام. الآن لا بد لكم من الاعتراف بان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم لا توجد له عصمة كما يفهمها الناس وانه تصدر منه الكبيرة والصغيرة على حد سواء.

ان من المهم ان نعلم جيدا ان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم هو خاتم الأنبياء، ويظن للأسف معظم المسلمين بان الخاتم تعني الآخر فقط لكنهم يغضون البصر عن المعاني الاخرى التي يحملها هذا المفهوم، فأي منقبة في ان يكون سيدنا محمد آخر الأنبياء بعثة بالطبع لا توجد منقبة انما ان لفظ الخاتم يعني أفضلهم وأكملهم وصاحب أكمل كتاب وأكمل شريعة وان الهدى كل الهدى في التمسك به والذوبان في وجوده وحبه بل ان يكون حب المصطفى اغلى من الاهل والمال والولد، فهذا النبي حاز على درجة الخاتمية وتسيّد الأنبياء والبشر حتى أعاره الله تعالى لسان الربوبية فقال له قل للناس يا عبادي في قوله تعالى (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) وهذا من الاستعارات التي خصّ الله تعالى بها نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم كما وردت في قوله تعالى "نَحْنُ أَبْنَاء اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ" ولم يستنكر الله عليهم هذا القول أبدا. فهو تعبير مجازي لأن العبادة لله تعالى وحده والعبادة هي التخلق بأخلاق الله وإجلاله ولا تكون إلا بالاقتداء بخاتم النبيين صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم.

ان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قد مدحه تعالى في مواضع عديدة في القرآن الكريم فاثبت له بأنه على خُلُق عظيم وبأنه رحمة مهداة للناس أجمعين، وان المحل الذي يكون فيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم لن يحل عليه العذاب ابدا.

والان تعالوا لنتصور الامر كما يتصوره ممن لا ينفون صدور الذنوب والسيئات من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم.

فلو كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يرتكب الكبائر والصغائر، ومن المحتمل صدور الذنب منه الذي يستوجب التوبيخ، لكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ممن تنطبق عليهم آية (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ)، وكلنا يعلم بأن القرآن الكريم كان يخرُج من بين شفتي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وأخذ الناس القرآن عن لسانه، وآيات القران الكريم تحض على الكمال وعدم ارتكاب الكبائر والصغائر، ومن ينطق بمثل هذه التعاليم ويأمر الناس بالبر ثم يخالفه وتصدر منه أمورا تخالف الفطرة الربانية، فهل يعجز هذا الإله الحكيم أن يتفادى هذا الأمر وينزل الكتاب على لسان ملِك من ملائكة الرحمن لا يصدر منه ذنوب ما دام النبي بشرا يخطئ ويصيب ومن الآثمين؟!!

ولكن هذا لا يعني أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم لا يخطئ، ولكن ليس في أمور الوحي ولا أمور الاجتهاد التكليفي؛ بل من المحتمل ان يخطئ في تفسير رؤيا او كشف روحاني كما حدث في هجرته الى المدينة بعد ان كان يظن ان هجرته ستكون الى مدينة اخرى يكثر فيها النخيل وقد ظن انها الطائف، إلا انها كانت للمدينة المنورة عكس ما كان قد فهم من الرؤيا عليه الصلاة والسلام، اما الأخطاء التي نسبوها للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم في الآيات القرآنية فهي أخطاء كبيرة جدا وليست صغيرة بل كادت تودي بحياة النبي وبنزول العذاب عليه، وسنأتي لتناول تلك الآيات واحدة واحدة لنبين للناس اللبس الذي حصل عليهم في فهمهم لطبيعة شخصية النبي ومكانته العظيمة

أ‌- الاية في سورة الانفال التي تقول (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) فقد فهمها الناس بان الآية تحث النبي على قتل اسرى بدر لأنه لم يبلغ حد الإثخان فلا أسرى الا بعد إثخان والآن تعالوا لنناقش هذا التفسير المؤلم نقطة نقطة:

  1. ما هو حد الإثخان؟ هل أوضحه الله تعالى في كتابه الكريم من قبل نزول الآية؟ الجواب كلا

  2. ان المفهوم من هذه الآية بحسب فهمهم انه لا بد للنبي ان تقوى شوكته ويقوم بقتل عدد كبير من المشركين ويثخن فيهم طعنا وعند بلوغ هذا الحد عندها من الممكن اخذ الناس اسارى فهل هذا معقول؟! طيب وما ذنب الكافر الذي استسلم في معركة بدر قبل حد الإثخان لأنه سيقتل ونفس الفعل قد يقوم به كافر آخر في معركة ما بعد الإثخان فلا يقتل أهذا هو منطق العدالة الالهية برأيكم؟!

  3. هل هذا الفعل كان فعلا عاديا أم يستوجب العِقاب؟ الجواب يستوجب العقاب والتوبيخ لقوله تعالى بعد هذه الآية (لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) ولكن ما فعله النبي بعد معركة بدر هو استمراره بمعاملة الأسرى بالحسنى وإطلاق سراحهم بمن او فِداء. فإن قالوا ان هذه الآية تأخرت ونزلت بعد أن فرِغ النبي من أمر أُسرى بدر فنقول وما العلة من تنزيلها إذا لم تنهِ النبي عن فعل هذا الامر فهل لها داع أصلا؟ وكيف يتأخر الله تعالى بإنزال تلك الآية الى أن يفرغ النبي من امر الأسرى اما كان من الواجب ان تنزل بعيد وقوع المعركة!

  4. الآية التي بعدها تقول ولولا كتاب من الله سبق لمسكم، في حين الفعل بحسب فهمهم هو فعل النبي، فلما الله تعالى يعاقب بخطء النبي امته كلها فيقول ولولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما اخذتم عذاب عظيم. أهذا هو العدل الالهي بحسب هذا التفسير المؤلم حقا؟

 

ان المقصود من الآية هو ما ورد بإحدى السرايا الاستطلاعية التي بعثها النبي لتقصي احوال قريش ومراقبة محيط المدينة ورصد أي تجمع او حشود لأعداء الاسلام قد تكون خارج المدينة تمهيدا للانقضاض عليها خصوصا وان محيط المدينة كان يعج بالقبائل والاعراب التي كانت غير داخلة في الإسلام، فسرية من سرايا الاستطلاع هاجمت بعض المشركين وقتلتهم واسرت بعضهم، فاستنكر النبي فعل صحابته واعتذر لعشيرة القتلى وقدم الفدية لهم وارجع الاسرى ونزلت هذه الآية لتقول لصحابة النبي بأنه من الحرام مهاجمة قوم واسرهم الا في حالة الحرب وعند تواجه الجيوش وقيام المعركة فمن الممكن أخذ الأسرى وليس عن طريق عمليات الاختطاف وأخذ الرهائن كما تفعل بعض الجماعات الاسلامية الان منتهكة احكام الله تعالى التي بينها في كتابه الكريم .

ونلتقيكم بإذن الله مع حلقة جديدة من هذه السلسلة