المرأة والحرب

معاناة المرأة من الحروب كثيرة كما نعلم ولكننا كثيرا ما ننسى مشكلة اختلال نسبة الذكور/ الإناث. فالحرب تأخذ منهن رجالهن وعندما ينتهي القتال يكون عدد الذكور قد انخفض بنسبة من قتلوا أو هربوا أو تشردوا منهم. العراق مثال جيد لما أقول حيث يعاني البلد الآن من مشكلة «أرامل الحرب». مرت أوروبا بعدة مراحل من ذلك نتيجة الحروب التي خاضوها. أخص منها بالذكر ما جرى في بريطانيا بعد الحرب الأهلية (القرن 16) . ما ذكرته في مقالتي السابقة عن تشارلز الثاني يعكس في الواقع ما شاع في عهده (القرن17) من انحلال جنسي.

أصبح الرجال عملة نادرة فاضطرت المرأة أن تدفع مهرا عاليا للحصول على زوج. شاع لأول مرة في الصحف عمود الزواج والتعارف. «أنا معلم متوسط العمر أرغب الزواج بامرأة شريفة تجلب معها ثلاثة آلاف جنيه». وكذا تقرأ «أنا فتاة حسناء متعلمة في العشرينات أنشد زوجا عمره دون الخمسين أعطيه مهرا بألفي جنيه»... وهلمجرا.

يتزوجها رجل، ولكن كيف يستطيع ضبط سلوكها والطلاق محرم عندهم والشباب يتربصون. يستطيع الرجل عندئذ أن يبيعها. يضع على صدرها وظهرها لوحة تقول»زوجة للبيع». ويشدها بحبل ويطوف بها في الأسواق! فيكون عند بيعها قد كسب مهرها وثمن بيعها. مش بطّال! كان ذلك العصر من أسوأ عصور المرأة.

من أسباب تفوق الغرب على الشرق وجود الحديد والفحم الحجري عندهم. مكنهم ذلك من تطوير صناعات الحديد والمعادن وفنونها. بادر الحداد لصنع ما سمي بحزام العفة chastity belt، يقفله الزوج ويبقى هكذا حتى يعود بالمفتاح. وبالنسبة لمن يزعجه لغط المرأة وهذرفتها صنعوا مفتاح السكوت silence belt يركبه الزوج على رأس المرأة بحيث يدخل طرفه في فمها ويحبس لسانها فلا تستطيع أن تتكلم وتوجع رأسه بالكلام!

من المعتاد أن يبالغ الرجال بمقدار رغبة المرأة. صنعوا حزام العفة لمنعها من الفسوق. غير أن آخرين كانوا أرق مزاجا واحتراما لحقوقها كإنسان، فساروا إلى سوق العطارين ليشتروا لها مسحوقا خاصا من بذر الكرفس وبذر الحناء وذيل الفأر ومخ الضفدع... الخ. تخلطه بالماء وتشربه صباحا كل يوم أمام الزوج وتطمئنه على عفتها: ما تخافش يا حبيبي. أصلي شربت عصير العفة!

بالطبع تحاشت بعضهن هذه الدروب وعمدن لسوق الدعارة. ولكن الاديبات منهن سلكن مسلكا آخر. لأول مرة ظهرت شخصية المرأة الكاتبة التي جعلت من الأدب والصحافة والكتابة مهنة ورزقا محترما، أو كما يقول بعض زملائي، مهنة ورزقا غير محترم. ظهرت لأول مرة مجلات نسائية وروايات وكتب عن الطبخ وأصناف الطعام وإدارة البيت وتربية الأطفال وطبعا خدمة الزوج، وكلها بأقلام المرأة المتعلمة.

هكذا بدأ العصر الحديث، ولكن بعد استبدال حزام الصمت بمقص الرقيب وحزام العفة بالميني جيب.