تحرير كوباني و موقف تركيا


منذ امس و بعد اعلان تحرير مدينة كوباني من دنس داعش و انا اتابع بدقة موقف تركيا و ما يصدر منها ازاء هذا الموضوع المهم في لحظة تاريخية حاسمة من الحرب مع اعتى تنظيم ارهابي مدعوم من جهات كثيرة . و بعد رهان الكثيرين و في مقدمتهم تركيا على احتلال هذه المدينة منذ توجه داعش اليها ربما باوامر جهات متعددة من الدول او الاجهزة المخابراتية في المنطقة و في مقدمتهم و من المحتمل ان تكون الاجهزة التركية ضمنها، وخاصة و نحن لمسنا مواقف منها لم ننتظرها، وما لاحظناه ان تركيا تتعامل مع القضية من باب مشاكلها الداخلية و هي مصابة بفوبيا حزب العمال الكوردستاني، و تريد ان تعيد كل موقف الى ما يهمها من هذا المنظور، لذا فهي ضجرت و انزعجت من احتفال الكورد على تحرير بلدتهم و يدعون بان الاشهر الاربعة لمقاومتهم وقت طويل عسكريا و لا يمكن ان يحتسب نصرا، دون ان يشيروا الى المواقف المعرقلة لانتصار المقاتلين الكورد من جهة و من وراء داعش من جهة اخرى، و يعيدون معركة كوباني بانها كانت رمزا امريكيا و نصرا امريكيا و تم بدعم امريكي جوي، متناسيين ان تحرير اية مدينة او مكان لا يمكن تحقيقه دون وجود قوات باسلة على الارض . و كل محاولات تركيا التي تصدرها هنا و هناك، انها تريد تقليل من اهمية هذا النصر و تعتبر استغلالها من قبل حزب العمال ضربة سياسية كبيرة لها على الارض في كوردستان الكبرى .
ان الاستراتيجية التركية تجاه ما يدور في المنطقة تلقت ضربة قوية بتحرير كوباني، و انها تعيش في صدمة و تريد ان تلقى بديلا لامتصاص تداعيات هذا النصر و استيعاب ما يفيد حزب العمال من هذا النصرفي لحظة مهمة و الشعب الكوردي قريب من شهر المناسبات اذار، و الذي اصبح بعبعا لحكومة تركيا لما تلقت فيه مرارا في الاعوام السابقة ضربات عسكرية و سياسية موجعة . و بانتصارات الكورد في معركة داعش ستضيف همة و عزيمة و تقوي من ارادتهم في كافة اجزاء كوردستان و بالاخص شمال كوردستان و يكون شهر اذار مرحلة صعبة عليها و تتحظر منذ الان لمجابهته، بعد ان تبين للجميع بان تركيا تتملص من عملية المصالحة الجارية، و التصريحات التي صدرت من داود اوغلو في اليوم الذي تحررت فيه كوباني دليل على المحاولات و الاهداف من وراء تلك المواقف.
و منذ امس و يحاول داعش باي شكل كان اعادة الكرٌة لاحتلال اجزاء من المدينة و بدافع سرقة النصر و هذا ما يمكن ان يفيد تركيا، و عليه تُحتسب هذه المحاولات على تركيا و اشاراتها، و تعتبر من قبيل تحريضها كي لا تتمدد معطياتها على شمال كوردستان، و خصوصا تشهد المدن الكوردية هناك احتفالات و استعراضات كثيرة تعبيرا عن فرح جميع الكورد باعتبارتحرير كوباني نصرا كورديا لجميع اجزاء كوردستان، و هذا ما يحرج تركيا و تريد باي شكل كان احتواء تداعياته .
ان ما يخرج من تركيا في هذا الشان افضح موقفها، و رغم حركات بهلوانية او استعراضية للفت نظر المجتمع التركي و خصوصا و هو امام انتخابات برلمانية قريبة، الا ان السلطة تحس بانها ستخسر كثيرا من شعبيتها و قواعدها بعد ما مرت بمشاكل اخرى اثرت على مكانتها، و تريد ان لا تخسر ما انجزته في السنين الماضية و الحزب الحاكم خاصة لانه يواجه عدة مشكلات داخلية لما افرزها اردوغان بتفرده و نرجسيته و نظرته الى السلطة في تركيا نتيجة طموحاته الشخصية غير المحدودة . و به، يمكن ان تهتم تركيا بما يحصل في كوباني من منظور السلطة و ما تواجهه داخليا فقط في هذه المرحلة، و انها غارقة في المشاكل العديدة التركية بشكل عام و الكوردية في تركيا بشكل خاص . و لكن تحرير كوباني بعد مقاومة بطولية من قبل الكورد سيولد مرحلة جديدة بعدما اندمجت حال كوباني مع المسائل العالمية و ارتبطت بما يجري عالميا . و يمكن لتركيا ان لا تخطا ان تعاملت مع ما يجري بواقعية بعيدا عن كل فوبياتها و النظرة الى القضية الكوردية فيها من صلب القضية و تاريخه و ليس كمعادلة سياسية بحتة كما تفعل اليوم .