15 يوما في العراق (٤) بقلم المفكر المصري مؤمن المحمدي


العراق تايمز: كتب المفكر المصري مؤمن المحمدي..

العراق بلد يسبح في التاريخ، من أيام نبوخذ نصر لـ حد أول إمبارح بالليل، وإنت ماشي في أي حتة فيه معالم ومراقد وشواهد ومشاهد على أحداث وبشر من عصر ما.
في رحلتي، مريت بمحافظات الجنوب كلها تقريبا: البصرة، السماوة، العمارة، الناصرية، الحلة، الديوانية، النجف، كربلاء، واسط. في كل سنتيمتر موضوع، وفـ كل شبر حكاية، وفـ كل متر ملحمة

كل البلاد مرت بأحداث كبيرة، لكن مش كل البلاد عندها فكرة "الاحتفاظ بالحدث"، يعني مثلا عندنا في مصر حدث زي مقتل كليبر على إيد سليمان الحلبي، بغض البصر عن موقفك من الحلبي، وهل بـ تعتبره بطل ولا مجرم، لكن المكان اللي حصلت فيه الحادثة، مكانه دلوقتي بنزينة على ناصية شارع الألفي، وطبعا ولا حد مهتم بالقصة، القصر اتهد واتبنى مكانه مباني، والمباني اتهدت، ووصلنا لشكل الشارع الحالي.
لو الحادثة دي حصلت في العراق، كان زمان القصر موجود، وموجود كمان إشارات وعلامات، من هنا نط الحلبي، من هنا مشي، كليبر كان طالع من هنا، اتقابلوا فـ الحتة دي، وضربه كده، حتى لو فيه حاجات مفقودة، أو مش دقيقة، هـ يتخيلوها ويحتفظوا بيها.

علشان كده لما رحت: هنا مكان موقعة الجمل الأصلية، هنا قبر طلحة، هنا قبر الزبير، هنا الحدود العراقية الإيرانية، هنا ما تبقى ما معدات الحرب بين العراق وإيران، هنا بيت الإمام علي، هنا اغتاله عبد الرحمن بن ملجم، هنا قال وصيته، هنا عمر بن سعد تفاوض مع الحسين قبل المجزرة (حرفيا مش مبالغة، ومكتوب يافطة بـ كده)، من هنا لف الحسين، هنا اغتاله جيش يزيد.

هنا كان بـ يعدي نبوخذ نصر يروح شغله الصبح، هنا عشتار، هنا هاروت وماروت، هنا بنى صدام قصره على حدائق بابل المعلقة، هنا مقابر جماعية، هنا .....
باختصار، لو إنت متابع تاريخ شوية، لما تروح العراق هـ تتبسط جامد، لكن.....
أيوة، لكن إيه؟
حجم الاستفادة من كل ده يقترب من الصفر، هم عايشين في التاريخ لدرجة إنهم مش شايفينه مبهر ولا أي حاجة، وفيه عوامل تانية برضه مخلياهم فعلا بعيد جدا في مجال السياحة، أهمها طبعا السمعة الأمنية، اللي مصورة للعالم إن العراق كله مكان للنار والدمار والعربيات المفخخة وحكم داعش.


تخيل يا مواطن إني كنت لوحدي تماما في زيارة بابل، السحر كله ده مفيش عين بـ تشوفه، الراجل المرشد السياحي كان اسمه أبو زهرة، كان فرحان جدا إن أخيرا هـ يشرح لـ حد الكلام اللي قعد سنين يتعلمه.
القصر اللي بناه صدام تحفة، لو اتعمل فندق، ممكن الليلة فيها تبقى بـ خمس آلاف دولار مستريح، بس اكمنه من ريحة صدام، الحكومة مش عايزة تتعامل معاه، ولولا الملامة كانت هدته أو عملته مراحيض عامة (مع الاعتذار طبعا لرجال الحكومة على الحديث في شأن داخلي).

بس أنا كـ مؤمن، كانت اللحظة التاريخية بالنسبة لي، لما زرت ضريح المتنبي، وكنت كالعادة لوحدي، ودي كانت ميزة كبرى، هو غالبا مش قبر المتنبي ولا حاجة، المكان اللي فيه مش شبه خالص المنطقة اللي اتقتل فيها المتنبي، بس يعني، الله أعلم، والفكرة في الاحتفاء أكتر منها أي حاجة


وقابلت هناك آثاري عالمي معروف، هو د. نائل حنون، وطول المقابلة كنت عايز الكلام يبقى عن آثار العراق، وهو عايز يكلمني عن مصر وعبد الناصر، هو تقريبا حافظ الـ 18 سنة بتوع ناصر باليوم، لكنه شرح لي مأساة دراسة وتدريس الآثار في العراق، من إنها دراسة نظرية مالهاش علاقة بمواقع الآثار، وحسب كلامه إننا هنا في مصر سابقينهم بسنوات ضوئية على مستوى علوم الآثار.