عراق برائحة أوراق الخلافة

قراءةً عن احد المفكرين حول موضوع فهم النّاس للنّاس بعبارة اخرى يقول من الصعب ألاّ يفهمك الاخرون والاصعب من ذلك ان يفهمونك بالخطأ، وعلى غرار هذا ايضا يقول الآن فهمت معاناة رب العباد مع عباده، على الرغم من الوف المرسلين والرسالات التي بعثوا بها الا ان العبيد لم يستوعبوا ما جاء بالشكل الصحيح بل اساءوا الفهم ايضاً، وهذا اساس جميع المصائب والويلات منذ بدء الخليقة والى يومنا هذا، واستنادا لما ذكرنا من الممكن القول ان مشكلة العراقيين جميعهم هي عدم ادراكهم لمفهوم المواطنة، والتعايش في بلد لم يؤسس حسب الحقائق التاريخية لهم، ويتطابق مع حقوقهم القومية لذا اثبات الرعوية او اثبات النسب الاصلي والتبعية، والتشبث ببيان العثمانية وموضوع الوثائق والمستمسكات والاوراق الثبوتية الاخرى اصبحت من المواضيع المهمة للعراقيين لأن العراق البلد الوحيد في العالم يتمسك بهذه الاوراق الثبوتية المزيفة، والتي تثبت عدم الاهتمام لمن يتصدى لسدة الحكم، واي شخص في هذا البلد لازال لديه الشهادة العثمانية فلا يعاب عليه في بلد تاريخه مزين باوراق برائحة الخلافة.



ان اي كاتب او باحث او مراقب عراقي ربما يخجل ان يذكر او يسلّم لهذه الحقائق وبرغم جميع المحاولات القديمة والحديثة من قبل دول الغرب والمنطقة الذي لم يتمكنوا ان يوحدوا بين مدينتين او بين طائفتين، فكيف سيستطيعون توحيد مكونات هذا الشعب الذي كان ولا يزال يسمع طبول الحرب تقرع في آذانه في كل زمن يمرّ به مع ما يرافقه من سيادة النظام القبلي فإنه لا الاعراف الدينية ولا الاجتماعية القديمة، ولا التقنيات والمناهج الحديثة وما وصلنا اليه من جعل العالم قرية وبما يسمى "العولمة" لم تكن لها القدرة في تحديد يوم نذكره او نطلق عليه تسمية "يوم الخلاص من الكراهية"، ونطلق عليه نحن "يوم ولادة الشعب العراقي بعيداً عن المسميات الاخرى" في كل الادوار شهدنا اقتتالا داخليا هنا وهناك، والشعوب الاخرى سبقونا بما مرّ علينا لكنهم استفادوا من تلك التجارب واصبحت عبرة لاجيالهم ودخلوا بمضمار اللاعودة اليها على العكس منا فإننا نقوم بتعميق الفجوات وتكرار الاخطاء بصبغة اشد وأقسى على انفسنا.

كلنا نعرف يوم الولادة لحكام الظلم والجور ولكن ليست لدينا اية حجة او سند نسميه "يوم ولادة هذا الشعب"، وكما قلت مسبقاً ان مكونات هذا الشعب ليس فقط لم يفهموا وضعهم، ولكن قد تجاوزوا اكثر من ذلك بانتهاك احدهما حرمة الاخر، ولم يتبقَ اي مسوّغ للتعايش السلمي والتواصل والتعامل فيما بينهم، وفي غياب الجرأة والمصداقية لرؤية الحقائق فالعراقيون يحتفلون بايام المآسي والاحزان التي نالوا فيها من بعضهم البعض، ولا يوجد هناك يوم حزن على موت المودة بين اناس حاولوا قرابة قرن من الزمن ان يكونوا شعباً ليس على الورق فقط.