مهدي وذكريات (المسيرة)

فِي صيف عام 1975 التحقت للعمل عضوا في مكتب صحافة الشباب الذي كان يتولى إصدار صحيفة "المسيرة" الخاصة بالطلائع وكان معنا في قيادة المكتب انعام كججي ومحمد السبعاوي ومحمود عبداللطيف ومهدي أسد حيدر!
كان مهدي مسؤولا عن إدارة المكتب بينما تولى السبعاوي سكرتارية التحرير وانعام رئاسة قسم التحقيقات وبعد اسابيع قليلة من عملها تركت المكتب لتعود إلى صحيفتها الأم "الثورة" فقد كانت أنعام من ابرز صحفيات العراق آنذاك وتوليت رئاسة قسم التحقيقات الذي ضم عددا من طلاب قسم الإعلام وفي خضم العمل توطدت علاقتي الشخصية بالأستاذ مهدي أسد حيدر الذي كان يتمتع بشخصية جذابة وطيبة وكلام جميل وهادئ أحبه الجميع!
علمت فيما بعد أن الأستاذ مهدي ينتمي إلى أسرة علم وأدب وفقه في مدينة سوق الشيوخ  وكان الرجل واسع الاطلاع قياسا إلى تجاربنا – وكنا في مرحلة الشباب وفي عشرينيات  العمر بينما كان أبو علي رجلا ناضجا مكتملا – وكان يتعامل بروح المودة والرفقة الجميلة وما زلت أتذكر دوامه معنا في الصباح والمساء وفي غرفته يستقبل العاملين لفض مشاكلهم أو توجيههم فالرجل امتلك ناصية اللغة والأدب والبحث في سن مبكرة ولهذا كنا نجد فيه ثروة من الخلق العالي والثقافة الرفيعة.
كنت استمتع معه في طرق أحاديث منوعة وكنت اجلس في غرفته استمع منه كثيرا وكان الرجل ميالا للأدب والشعر فهو ابن سوق الشيوخ الشهيرة بنوابغ الشعر والثقافة الرصينة وسليل أسرة لها مهابتها العلمية ليس في القضاء وحسب بل تمتد شجرتها المعرفية إلى تخوم مدينة النجف الأشرف.
لم يمكث معنا في المكتب طويلا فقد انتقل إلى مكان آخر أكثر أهمية وحساسية ونفوذا لكن غلبة الثقافة والمطالعة والبحث والكتابة كانت تتغلب على مهدي اسدر حيدر أكثر من أي رغبة أخرى.
في تلك السنة تمكنا من إصدار مجلة "الشباب" بحلة جديدة بعد أن كانت مجلة بائسة  تصدرها وزارة الشباب وأصدرنا مع المجلة لأول مرة في الصحافة العراقية ملحقا للدراسات والبحوث تولى مسؤوليته المرحوم مهدي فكان ملحقا غنيا بالدراسات الجادة والحيوية إضافة إلى دراساته الخاصة التي كان يكتبها خصيصا للملحق.
كان مهدي أسد حيدر صديقا للجميع ولهذا أحبه الجميع!
كان مهدي بتواضعه الجم مثالا للقائد الاجتماعي!
وكان مهدي مثقفا وقد أثث عقله بجهد معرفي واضح للجميع!
وكان مهدي بدماثته وسماحته يحضر معنا في كل لحظة ولا يغيب عن عقولنا!
بقامته المديدة كنت أتخيله شبحا للفنان المصري الكبير سراج منير أو ربما يقترب من صورة الفنان الرائع يحيي شاهين لكن مهدي لم يمثل في حياته مع الآخرين أبدا بل كان واضحا وصريحا وشجاعا في مواجهة الآخرين!
رحم الله مهدي فقد التقيته آخر مرة بعد قدومه إلى العراق بعد سنوات من التغريب القسري واحتضنني كثيرا وكانت عواطفه تتدفق وهو يلعن أميركا التي جاءت بكل شرورها للعراق وبدلا من "تحريره" – كما كان يقول لي – خربت العراق خرابا عظيما، وأضاف: ما كنا نتخيل أن الأمريكان وهم أقوى واكبر قوة كونية لها هذه الأخطاء الكبرى والحماقات العظيمة!
وأطلق في وجهي حسرة قوية مصحوبة بزفير طويل على امتداد سنوات غربته اللا مجدية كما قال.. رحم الله مهدي أسد حيدر!