((السيادة الأمنية في العراق))

 

يبدو للوهلة الاولى أن ما أشير اليه تعتبر من المصطلحات الجديدة ، رغم جذوره التاريخية العميقة بأسلوب و مفهوم مختلف ، فالإنسان منذ بداية حياته حاول إيجاد بيئة آمنه له بعيدة عن مصادر الخوف و التهديد و من أجل ذلك بسط نفوذه على المنطقة التي كان يقطنها و نصب نفسه سيداً عليها و كان الآمر و الناهي يملك زمام الأمور فيها و بات يتخذ من الأجراءات ما يناسبه و يؤمن حياته و حياة أبناء جلدته , فأصبحت تلك المنطقة خاضعة لسلطاته و سيادته لذا فإن الاليات والتدابير التي استخدمها لردع مصادر الخطر عنه هي سيادة أمنية و أولاها الانسان الاهمية الكبرى ، فبدونها لايكون له وجود و يصبح رقاً للغير ، و بها يمكن للإنسان أن يكون سيد نفسه حراً طليقاً ، و يسخر له ما توجد فيها من خيرات ليستثمرها لصالحه . و في سبيل أداء هذه المهمة بأفضل الصور تم تشكيل أجهزة معنية بحماية أمن المواطن بعد تطور حياة الانسان و تعددت مهماته , هذه الاجهزة التي تعمل ليل نهار لتحقيق أهدافها ،وضعت البرامج و الاستراتيجيات الخاصة التي تأخذ في الاعتبار ما يشكل مصدراً للخوف على المواطنين و ان المناطق التي تكون فيها السيادة الامنية ضعيفة أو غير موجودة أصلاً بمعنى أخر غير خاضعة للسيطرة الأمنية ، فانها ستكون الحاضنة او البيئة الملائمة لنمو الجرائم بأنواعها و تكون مصدر قلق لتلك الاجهزة قبل ان يكون مصدر لتهديد على حياة المواطنين ، لذا فإن هذه الاجهزة تعمل بكل جد لبسط سيادتها على تلك الحاضنات و بؤر الارهاب . وعليه فأن الدول تبسط سيادتها على الاقليم الارضي والبحري والجوي وفق القوانين والاعراف الدولية ، في حين أن سيادة الاجهزة الامنية هي جزء من سيادة دولها ومكمل لها وليس العكس . 

و إن السياسات الخاطئة للحكومات العراقية بعد عام (2003) حملت معها الكثير من المأسي و الاخفاقات و خاصة الاجهزة الامنية التي تعاملت مع الواقع بأسس طائفية و مذهبية و قومية و لم تستطيع أن تكون الخيمة التي تحتمي فيها الجميع و العكس منها أصبحت أداة لتحقيق سياسات طائفية و حزبية ضيقة وجهوية ، و كانت أحدى الاسباب الرئيسة لنفور المواطن منها و بالتالي من الحكومة بأكملها ، و يبحث بكل مافي وسعه للخروج من سيادة هذه الاجهزة ليشكل بعدها أنسب الحاضنات ان لم يكن هو نفسه جزءاً منها للتمرد على سياسات هذه الحكومات و ايواء الخارجين عن القانون ، لذا فأن هذه الاجهزة  فقدت سيادتها الامنية على مناطق شاسعة من أرض العراق و لم تقدر الصمود و الثبات فتأزم الموقف لأن إعادة ما فقد من سيادة ليس بالأمر السهل .

 و ان بسط السيادة الامنية على أرض الواقع تحتاج الى استراتيجيات واضحة و سليمة هدفها خدمة المواطن العراقي بكل الوانه و أطيافه ، بالإضافة الى إصلاحات إدارية وأمنية تشمل المناهج و القيادات التي لم تكن قادرة على لعب دورها و إلا سيكون الأتي على الشعب العراقي أدهى و أمر .