حقوق الإنسان في قبضة وزيرها


اظهرت شاشات التلفاز شرطي مرور عراقياً، وقد تورمت احدى عينيه، فيما اكد انه تعرض للضرب هو وزملاؤه من قبل نحو 13 مسلحاً من موكب حماية وزير حقوق الانسان العراقي، واشار الى ان عقيداً في المرور تعرض للضرب بأخمص البندقية، كما دعم شهود عيان كانوا موجودين وقت الحادث اقوال الشرطي؛ ونُقل بعض منتسبي المرور الى المستشفى بسبب اصابات تعرضوا لها، وقال الشهود ان حجة الوزير تأخره عن الدوام في مقر وزارته.
بدءاً نقول ان العراق يعد من الدول النادرة التي فيها وزارة لحقوق الانسان، لأن تلك الحقوق لا تتابعها وزارة، اذ انها عندئذ تكون تابعة للحكومة، ولاسيما في وضعنا العراقي، الذي توزع فيه المناصب على اساس المحاصصة، ويشهد فوضى سياسية لم يقر لها قرار طوال سنوات؛ ما يلقي بظلاله حتماً على طبيعة ادائها لمهامها التي لن تخرج من بوتقة التوتر السياسي.
ان السبب الرئيس في عدم استقرار العراق منذ التغيير في 2003 يكمن بإخفاقنا في التوصل لبناء دولة مؤسسات تعتمد على تكريس حقوق الناس، وتطبيق القانون الذي يجب ألا يحابي احداً بسبب المنصب او الوظيفة؛ ولنا في دول العالم المتحضرة امثلة على معاقبة مسؤولين كبار بضمنهم رؤساء وملوك وابناؤهم واقاربهم بسبب تصرفات رأت الجهات المعنية بتطبيق القانون في بلدانهم ان عقوباتها يجب ان تشملهم اسوة بالناس الاعتياديين في الحالات المماثلة؛ اذ ان من وضعوا قوانين ودساتير تلك الدول وسعوا الى تطبيقها، يعرفون ان الاستهانة بها والتمييز بين الناس في مجال تطبيق القوانين، يتسبب في هلاك مجتمعاتهم، وهو ما نأوا عنه بتطبيق القانون بفاعلية وحتى بشدة على الجميع.
فلماذا يشذ العراق عن التطبيق السليم للقوانين التي اقرها دستوره وتشريعاته، ومنها تشديده العقوبة بحق من يعتدي على موظف في اثناء عمله؟ وهو ما جرى لشرطة المرور الذين يردفون الليل بالنهار بوقوفهم في الشارع لتنظيم حركة السير، متعرضين لشتى الاخطار الناجمة عن الوضع الامني غير المستقر.
ان ما حدث لأفراد الشرطة من موكب الحماية الخاص بوزير حقوق الانسان، يستوجب فتح التحقيق الفوري، ومحاسبة المقصرين، واشهارهم لوسائل الاعلام، اذ ان التهمة واضحة وليس كما حدث في السابق حين كانت تقيد معظم الجرائم ضد مجهول؛ اذ المشتكي واضح، والمشكو ضده معروف، ولا مجال للمساومة في هذا الشأن، اذا اردنا تطبيق القانون الذي يطالب به الجميع.
ملاحظة نود اضافتها هنا، هي استغرابنا عن تلك المهمة التي تطلبت استعجال الوزير، وحضوره في وزارة زائدة عن الحاجة؛ وكان الاولى عدم انشائها اصلاً، اذ ان مهام متابعة حقوق الانسان تتعلق بالمجتمع المدني وليس بوزارة، فضلاً عن المبالغ الطائلة التي تصرف على الوزارة من دون جدوى في الوقت الذي نمر بأزمة مالية كبيرة.