قلبي على وطني.
بعد أشهر قليلة  سيمر على العراق العام الثاني عشر على سقوط صنم الإستبداد. وكانت هذه الأعوام الطويلة المضنية كافية لبناء أسس دولة رصينة قوية متقدمة في كافة مجالات الحياة لو كانت إرادة  أصحاب القرار بمستوى المسؤولية الوطنية لإنقاذ الوطن من محنه الكثيرة التي ألمت به. هذا الوطن الحضاري الذي أنعم الله عليه من الكنوز والأراضي الشاسعة والمياه والأيدي العاملة. وفيه من الخبرات العلمية مايؤهله للنهوض.لكن الذي يحز في نفس كل مواطن عراقي شريف ينتمي لهذه التربة الطاهرة، ويتمنى لوطنه التقدم والرفعة والسمو ليأخذ مكانه الذي يستحقه بين أمم الأرض. لقد تميزت تلك الأعوام بالصراعات السياسية المريرة على السلطة والمال وترك الوطن في مهب الريح أمام الأخطار المحدقة به. وكانت الإخفاقات نتيجة طبيعية لتلك الصراعات المريرة التي أوجعت الشعب بعد فسحة صغيرة من التفاؤل الذي أنعش النفوس التعبى عقب سقوط الدكتاتور حيث تلاشى ذلك    التفاؤل شيئا فشيئا في وطن يحسده الكثيرون على النعم التي يزخر بها. ورغم الألم والمرارة ظل بصيص الأمل يتقد من جديد في نفس المواطن تحت ظل العملية الإنتخابية. وهو يمني نفسه، ويأمل من حكوماته التي تعاقبت على حكم الوطن أن تنتبه إلى ما ترتكبه من أخطاء قاتلة . لكن الرياح  ظلت تجري بما لاتشتهي سفن الفقراء بعد أن أثبت معظم السياسيين الذين مسكوا زمام السلطة بأنهم أصحاب غايات ومصالح  أنانية فردية بعيدة كل البعد عن مصالح الشعب العراقي. فآشتدت الأزمات ، وآنطلقت النعرات الطائفية والعنصرية من بعض الأفواه التي انتهجت هذا الأسلوب المدمر للمجتمع.  ونُهبت ثروات البلاد من قبل حيتان الفساد بشكل رهيب.وبعد كل ميزانية ضخمة تتبخر الأموال ، وتتراجع الخدمات ، وتكثر العقود على المشاريع الوهمية ويزداد عدد العاطلين عن العمل وتعطل القوانين وتزداد حالة الشعب سوءا    وبات وطن الرافدين يستورد كل شيئ ولا ينتج شيئا غير المماحكات العقيمة على شاشات الفضائيات. وحين يشتد بي الحنين إلى وطني أذهب إليه واللهفة تغمرني إلى رؤية مشروع إقتصادي في مدينتي لينتشل الكثير من الشباب العاطلين لكن طرفي يرتد حسيرا فلا أرى غير الشوارع المحفورة ، وأكوام القمامة ، ودجلة الحزين الذي يئن من الأوجاع ، والشيب الذي غمر رؤوس طلابي الذين كانوا على مقاعد الدراسة لسنين طويلة وهم دون وظيفة أو بيت او تكوين أسرة . وبدت سحناتهم المتعبة وكأنهم في عالم الأموات دون أن يلتفت إليهم أحد من الحكام الذين جاءوا لينقذوا الوطن من محنته ولكن في الفضائيات ووسائل الإعلام.
وكانت المرجعية الرشيدة في النجف الأشرف على مدى هذه  الأعوام توجه وترشد وتحذر من الفتن الطائفية ، وتنبه إلى مكامن الخلل في الدولة العراقية عسى أن يعيد من يحكم البلاد ومن في السلطة التشريعية النظر في مواقفهم وتصرفاتهم ، ويقفوا وقفة صادقة مع الذات. ولكن لاحياة  لمن تنادي لمن أغرته السلطة. فتفاقمت الأخطاء وتراكمت. وفي ظل عملية سياسية متعثرة ظل الدم العراقي الطاهر يسيل في كل بقعة من ثرى العراق من قبل عصابات البعث الفاشي والقوى الضلالية التكفيرية التي وجدت في الكثير من الثغرات فرصتها الذهبية لتصفية حسابها مع الشعب العراقي . ولا يشك عاقل بأن دول الجوار قد لعبت دورا قذرا لوأد الأمل في عيون العراقيين, فتساهلت مع قطعان الانتحاريين الذين كان يتم أعدادهم في المساجد التي أعدت لهذا الغرض بعد غسل أدمغتهم من قبل شيوخ الضلالة بحجة (الجهاد) حيث كان يتم جمع هذه القطعان التي ختم الله على قلوبها وعلى سمعها وعلى أبصارها غشاوة ، واستهوتهم تلك الدعوات الجهنمية للقتل المجاني. وارتكبوا من الجرائم التي تقشعر لهولها الأبدان. فتكاثر عدد ألشهداء وصار العراق ساحة للعوائل  المفجوعة ، والقلوب الدامية ، ولم تسلم من نوازع الإرهابيين الإجرامية الضالة حتى قبور الأولياء والبنى التحتية للوطن.
كل ذلك كان يتم لزرع بذور اليأس والإحباط في نفس المواطن العراقي مع ظهور الضعف الذي كان يدب في جسد الحكومة المتنافرة  التي عجزت عن توفير الحماية لشعبها. وكل متابع للمشهد السياسي العراقي كان يرى ويسمع كيف تنادى أيتام    العهد الصدامي الذين كانوا الأداة القمعية للشعب والذين فقدوا امتيازاتهم الكبرى في ذلك العهد الأسود وطالبوا بتأليف حكومة    ( إنقاذ وطني ) للإجهاز على العملية السياسية بحجة أنه الحل الوحيد لتخليص العراق من حمام الدم الذي  ساهموا فيه وحرضوا عليه .
وكانت نذر كارثة جديدة تلوح في الأفق ، ولم يسمع الشعب من  الأقطاب غير التصريحات العنترية الخاوية والمنفصلة عن الواقع إلى أن حدثت الكارثة الوطنية بالغزو الداعشي في العاشر من حزيران .وحدث على أثره المجازر البشرية الكبرى في سبايكر وبادوش على أيدي التتار الجدد ، وشُرد مئات الآلاف هائمين على وجوههم في الصحاري لايلوون على شيئ خوفا من القتل بعد أن فقدوا كل شيئ. وآنطلق صوت المرجعية المجاهدة بالجهاد الكفائي لإنقاذ العراق من محنته الجديدة. وهب أبناء العراق الشرفاء تلبية لهذا النداء للذود عن حياض الوطن ، والوقوف بوجه هذا الغزو الجاهلي وتطهير العراق من رجسه. وتألفت حكومة جديدة من جميع الكتل السياسية. ووضع رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي أخطاء الماضي القاتلة نصب عينيه  لتجاوزها مع أعضاء الحكومة والنواب بعيدا عن كل نعرة طائفية تؤذي الجميع. لكن بعض السياسيين بعد فترة قصيرة أخذوا يتحدثون في فضائيات الفتنة من جديد عن ( الإقصاء والتهميش ) والإنسحاب من الحكومة ، وصبوا جام غضبهم على الحشد الشعبي المضحي  بالأرواح والذي سطر الملاحم، وحرر الأرض شبرا شبرا من دنس هؤلاء الأوغاد. وكأنهم لم يقسموا أمام منصة مجلس النواب بالعهد الذي ألزموا أنفسهم به للحفاظ على تربة العراق  والإخلاص للشعب العراقي . وقد قال الله في محكم كتابه العزيز :
بسم الله الرحمن الرحيم:
(وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ.) النحل-91.
واتساءل كأي مواطن غيورعلى وطنه لماذا يساهم هؤلاء في تدمير الوطن وتقسيمه على أساس طائفي وعرقي بعد أن عاش شعبه لآلاف السنين موحدا.؟
وهل الأمريكان قادرون على حل مشاكل الوطن إذا كانت قلوب سياسييه ونفوسهم متنافرة .؟
وكمواطن عراقي ليس لي إلا أن أقول كملايين الفقراء قلبي على وطني