شاكر السماوي ... والاحتضار الأخير للحزب الشيوعي العراقي / الجزء (1)



في نهاية تشرين الثاني المنصرم رحل عنا وفي المنفى السويدي المناضل والشاعر والمبدع اليساري شاكر السماوي، بعد مسيرة طويلة، ما يقارب نصفها كان في المنافي الاجبارية، مليئة بالآهات والهواجس والشجون حول مصير بلد كان ولا يزال في مهب الريح، وحول مصير حزب ينحدر نحو الاسفل منذ زمن ليس بالقصير، لذلك اوصى ان يدفن في السويد بلد الاغتراب الآمن والأخير، في اشارة الى وطن يفرط بخيرة ابناءه، بعد الرحيل كتب الكثير عن الفقيد السماوي وكعادة العراقيين في تكريم واستذكار رموزهم ومبدعيهم بعد الرحيل، وغالبية تلك الكتابات تناولت مسيرة الفقيد الادبية
في مجال الشعر والمسرح ومؤلفاته ونشاطه في الحزب الشيوعي العراقي منذ بداية شبابه ولغاية استقالته من الحزب عام  1958، ظل السماوي لصيقا باليسار العراقي  حتى الهجرة الجماعية للحزب في 78 ــ 79 بعد ان قلب البعث والطاغية صدام حسين ظهر المجن للحزب الشيوعي العراقي، وكان السماوي من ضمن المهاجرين لتطول الهجرة وتتحول الى اغتراب وتجنس دائمي حتى الممات، لم يتعرض احد الى موقف وعلاقة السماوي بالحزب الشيوعي العراقي في المهجر وموقفه من الانحرافات السياسية والوطنية والاخلاقية في الحزب وخصوصا في قمة الهرم والتطاحن الرفاقي في محاولة للتصحيح ولكن
دون جدوى .
قبل رحيل الفقيد شاكر السماوي، وصلني من صديق عزيز كتاب السماوي المعنون ( اللاديمقراطية عربيا ) بجزئيه والصادر في السويد، وقد ابهرني اسلوب وبلاغة السماوي بعد ان كنت لا ارى فيه الا شاعرا شعبيا، ووقفت طويلا عند محطة من كتابات السماوي بعنوان (الحزب الشيوعي العراقي ... الاحتضار الأخير ) ونظرا لقلة وندرة النسخ الواصلة من هذا الكتاب للعراق حسب علمي، سأعيد نشر هذا الاحتضار للحزب الشيوعي العراقي كما يراه الفقيد السماوي على شكل حلقات ليتعرف القارئ العربي والعراقي خصوصا على المبدع الراحل شاكر السماوي بشكل افضل ومدى خطورة هذا الاحتضار.
ولابد من القول ان تلك المداخلة كتبها الفقيد السماوي في اذار 1990 حتى لا تختلط الامور على القارئ الكريم، لاستمرار الانحدار نحو الهاوية وقد يكون في يومنا هذا اكثر تسارعا وانحطاطا وبثمن أرخص .
الحزب الشيوعي العراقي ... الاحتضار الأخير
( مَن يبغي تحسين المعرفة يرفض رفضاً مطلقاً الاعتراف باليقين التقليدي ... فالإيمان الأعمى خطيئتنا الوحيدة التي لا تُغتفر. ) ...الدوس هكسلي
هذا الملف يقدم مداخلتي الحوارية حول الرسالة التي وجهها الرفيق باقر ابراهيم الى العديد من كادرات الحركة الشيوعية في العراق ممن خرجوا من الحزب الشيوعي العراقي أو أُخرجوا منه. لقد كنت أحد الذين وجهت تلك الرسالة اليهم طلبا لمناقشة ما جاءت به من اراء وتشخيصات ودعوات عمل .
في البدء لم أشعر بميل الى محاورة الرسالة اذ وجدت ان معظمها كان يدور في فلك الشؤون التنظيمية التي سبق لي ان أغلقت دونها الأبواب مذُ استقلت من الحزب في 28/12/1958، الا اني قررت الخروج من حالتي تلك وان اقول قناعاتي المبدئية كوطني ثوري وأسجل توصلاتي التجربية في الأهم مما ورد في الرسالة، ايمانا بأن أي حزب يظل ملكا للناس والتاريخ في حقل السياسة والفكر وما يتصل بهما من الاعتبارات التنظيمية ذات السمات التطبيقية العامة وبعض الخاصة منها ايضا .
أنوه : لقد تضمن هذا النص بعض تعديلات في بعض صياغات رسالتي الجوابية مع إضافات تحليلية لإغناء المحاورة وتسديد خطوط التحليل والحلول كي أجعلها أقرب الى ما اريد ان يعبر عني هنا .
رفيقي العزيز أبو خولة
تحية نضالية حارة كحبنا لوطننا الراية وعمق ايماننا بشعبنا الغاية وعلو إجلالنا للانسانية ـ حين تكون رافدا حضاريا وتقدميا لنا عندما نكون رافدا لها ـ كبوصلة مصير على هذا الكوكب الغامض النهاية كما قد كان غامض البداية .
حلولٌ لا تحِل
بدءاً : أسجل شكري على توجيهك الي نسخة من الورقة التي وجهتها الي من ناديتهم، من رفاق الدرب، قصد أن يسجلوا مع وقفتك النضالية وقفة قد تكون للخلاص وقد تكون للشهادة. وأنا هنا أتقدم بهذه المداخلة بدافع ما أعتدت عليه منذ اكثر من ربع قرن من الوقوف عقليا ـ وربما عمليا ـ مع الصوت الأصدق مبدئيا والأجدى عمليا والأحق صراعيا في أي فصيل وطني. ناهيك عن ارتقائه صوب المدى الثوري والتقدمي والديمقراطي. ونظرا لمعرفتي القديمة بشخصك ومتابعتي لسيرتك كمناضل ثوري ورجل قيم وأخلاق وطنية ومبدئية أجد لزاما علية أن أقول ما قد ينفع، خارجا عن قراري القديم
بالابتعاد عن ممرات الصراعات التنظيمية الصرف. لان العطب في الحزب ـ ولا يزال يهمني أن أجد حزبيا شيوعيا ممتلئا بالحيوية النضالية وراكزا حقا على التقاليد والقيم الديمقراطية والتحررية وناصع الوطنية منبعا ومصبا وسليم الوجدان والصبوات قوميا ـ يقتضي مني ومن أمثالي ان نقدم الصوت الموقظ والرأي النير، وإلا فالكارثة تتماوج بزلزالها تحت أقدام الجميع .
الحق : ان شعبنا الرازح الآن بجراحه تحت نير دكتاتورية عمياء لفي مسيس الحاجة الى توفر قوى وطنية تقديمية طليعية النوع والدور والفاعلية. والحزب الشيوعي العراقي تاريخيا كان واحدا من أبرز هذه القوى بتلك المواصفات. فخسارته لنوعيته النضالية خسارة لكل الشعب، خسارة لكل طرف وطني، بل خسارة لكل عراقي شريف يدرك ان قيمة العامة والخاصة لا تصان بضمانة وديمومة الا بوفرة وتكاثر الشرفاء وسيادة الصدق الوطني والعرف الديمقراطي .
واردف .. ( وانت تعلم او تشعر بما اكنه لشخصكم الصديق من قناعة بكم كمناضل شيوعي وكشخصية قيادية زكتها والتجارب والمواقف وكللتها بالشرف النضالي السيرة الذاتية عبر الممرات التنظيمية وعلى تشعبات العلاقات الاجتماعية ـ السياسية.) ... القول ـ وبصراحتي التي عهدتني بها قديما ـ إن رسالتكم بكل ما تضمنته من تشخيص وتحليل واشارات وايحاءات / يضاف الى كل ذلك ما تضمنته من حرص حقيقي وحرقة صادقة على المبادئ والوطن والحزب والقيم / والتي قد حلت بيننا كصرخة خلاص وتخليص من الهبوات المميتة التي اليها قادت العناصر المعطوبة باللاجدارة النضالية ـ ناهيك عن
اللاجدارة القيادية ـ الحزب وجماهيره وتاريخه ومبادئه ورموزه .. أقول ان تلكم الرسالة قد جاءت اقرب الى ما قاله مثلنا الشعبي، الكوميدي في تعجيزيته : ( باكة لا تفلين، خبزة لا تثلمين، واكلي لمن تشبعين ! ) ... انها لأشبه بدعوة سرب من الطيور الى ان يسافر في قفص! فلقد أكثرت من التحذيرات من المساس بمسلمات مبدئية وتنظيمية لم يعد يحترمها الطرف الثاني من الخلاف، اي القيادة الحالية بعناصرها الرموز وبمعظمية الكم المحشد والملتف حولها من الانتهازيين والمتخلفين والجبناء والمنحطين خلقيا وسياسيا حد درك اشتغال بعضهم في التهريب والتزوير والاسواق
السوداء وكمخبرين متعددي القنوات حيثما حلوا. أنا أرى، ببصيرتي وتجربتي، ان النوع المبدئي ـ كذلك العرف التنظيمي ـ يحترم فقط حين توفره في المطبق. اما اذا انسلخ المطبق عن النوعية المبدئية فلا شرعية له ولا حرمة لموضوعة مبدئية يحتكم اليها. ان الارتداد عن القيمة يمنحنا الحق في تجريد المرتد من تلك القيمة .. وإلا فهل يعقل ان نصغي الى عاهرة تطالبنا بالحجاب ؟!
الصراحة : ان التهيب المفرط في حذره القى بظلاله على كامل ورقة التنادي هذه قد شل الكثير من شعور الجدوى من وراء مبادرة ملجومة بالتردد والخشية من تشغيل المباضع على مكامن الدمامل في الجسد المصاب بتلوث الدم. ففي كل وقفة شلل في البوح بدعوة الخلاص .. ( لا بد من الحذر من الدعوات لحلول حاسمة متعجلة، من ذلك مثلا الدعوة لبدائل عن الحزب، او حتى عن قيادته الحالية./ص2) ... و(لكن التفكير بتكوين القيادات البديلة والتنظيمات الممركزة، ينبغي يظل يتمثل خبرة الحزب الثمينة في ادراك اذى الانشقاقات والانجرارات الى التوسع في التمزيق./ص3) .. ثم تتحدث الورقة في
الصفحة نفسها عن ( الاتجاه نحو الحلول الحاسمة لأزمة الحزب .. ) ثم لا تذكر اي حل ((حاسم)) حقا او حقيقي او مبدئي تدعوا اليه، بل تذهب مباشرة صوب حشد المبررات المثبطة لأي حل حاسم .
واقول هنا : كان علينا ان نستلهم تجارب عديدة من التاريخ الثوري للأمم الحافل بنماذج من نواتات وتركيبات لبدائل ثورية تشكلت في المنافي ثم تسللت بالسلاح او بالسلم صوب الوطن ... ثم نبتت هناك واخصبت واينعت؟.. ان قيادة متعفنة كقيادة الحزب الحالية اوصلت الحزب بكامله الى الحالة التي تشير اليها الورقة بمرارة وسخرية ( لن يجدوا في الحزب من يطردونه. ص3 ) لهي قادة صاغت الكل الحزبي المتبقي على صورتها النوعية، اي بمدلول الوجه الثاني لهذه العبارة : ان الهيكل الحزبي المتبقي بكامله ـ ولا عبرة، ولا قيمة، لأفراد متناثرين هنا وهناك ـ لم يعد نوعيا بحزب (
بالمقاسات ) المبدئية، لا سيما اذا احتكمنا الى كل الصفات التي ادرجتها الورقة عن هذه القيادة!.. فما الذي تبقى من هذا الهيكل المحنط ليسعى الساعون الى بعث الحياة فيه؟.. ان الله وحده، وفقط (( يحيي العظام وهي رميم.)) ..! والاغرب ان تذهب الورقة الى التوصية بأن .. ( ابقاء الباب مفتوحا للحوار مع الرفاق في قيادة الحزب الحالية موقف صحيح ومفيد / ص4 ) ... واقول : اين هو الباب المشترك بينكم وبين قيادة الحزب الحالية حتى يجري الحديث عن ابقائه مفتوحاً؟!.. إن قيادة الحزب الحالية، يا رفيقي، ليس لديها للذين اختلفوا معها سوى باب واحد مفتوح هو باب ادخالهم كي
يقبروا نوعيا او يروضوا داخل الشريحة التي فسدت ثم افسدت من تبقى متربعا على مراكز الانتفاع الذاتي والاندساس والعداء المبرمج والموجه لكل قيمة وطنية او قومية او شيوعية حقا .
ثم تذهب ورقتكم الى أبعد من حسن الظن هذا، المفرط  برومانسيته المبدئية، فتكمل الطرح هذا بعبارة : ( ومن لا يرغب في مثل هذ الحوار فليتحمل المسؤولية امام الشيوعيين والتقدميين / ص4 ) ... ولو قيل هذا الكلام قبل عشر سنوات مثلا لاستوقفنا!.. ولكن ما هي مرتكزاته الان كموضوعة مبدئية وهو ياتي في عام دعوات التعدديات الحزبية للطبقة العاملة حتى في البلد القدوة نوعيا، الاتحاد السوفياتي؟.. وفي عام راحت فيه احزاب شيوعية ازمنت في مذهبيتها الشيوعية كتنظيم وايديولوجيا وعمرت في الحكم قرابة النصف من قرن اعوامه ذات كثافة زمنية هائلة. وها هي بتسارع راحت تلغي
واحديتها السلطوية وواحديتها الطليعية وتترك للحياة خلق الصورة القادمة لأشكال الابنية الفوقية الانسب. بصريح القول يا رفيقي العزيز ... ان هذه الوصفات تحتاج الى الكثير من المراجعة باتجاه الخروج عليها صوب اطروحات أكثر نضجا وعمقا وصوابا ومواءمة للعصر .. والا بدونا امام الايام والاجيال كمن يريد ان يطلق قمرا صناعيا بطاقة يعتصرها من جمر الحطب !
ما أخلص اليه من كل ذلك هو : انك تمتلك الجدارة القيادية والشرعية النضالية اللتين تؤهلانك لان تلعب دورا خلاصيا للقيم الثورية والديمقراطية أعمق وأبعد بكثير مما لوحت به في ثنايا سطور هذه الورقة التي لم تتعد ـ بكل صراحة ـ حدود الحد الادنى من ردود الفعل الخليطة بين ما هو مبدئي وما هو ذاتي. ان الايام تفكر فيك وفي امثالك بأبعد وأجرأ مما تقدمه هذه الورقة المشلولة الجدوى. إن تعليق الآمال النوعية على ركامات هذا الكم من المنهزمين والمحنطين والمستلبين والمنطفئين لهو ـ كما قلت لك في لقائنا الأول الطويل بدمشق ك2/1987 ـ التعجيز بعينه اذا انت حاولت
ان تصنع معجزة بعجزة! انني احترم الكل الذي تناديه بشكل مفتوح كإيمان مني بالإنسان واقرارا بالديمقراطية، ولكن الواقع العميق في خرابه وسلبياته لا يسمح لنا بان نبدأ معركتنا بالذين سيلتحقون بنا حين تقف المحاولة على قدميها وتطل على الكل بقامتها. ان خبرة الصراعات والخلافات بأنواعها، يا ابا خولة، علمتني : ان ليس بالضروري ولا المجدي مبدئيا ان اكون مع الذي يكون معي لأنه معي لا غير!.. فالمهام درجات توازيها درجات الأدوات. فالمهمة الأعلى تستوجب البدء بالأداة الأعلى. وأداتك في توجهك هي النوع الأعلى الموائم بمهارة وجدارة للمهمة. والأهم يظل
الاقدام الأجرأ نحو اجتراح الخلاص الانسب للحياة لا للكتب والوثائق التي انتهكها من حلف بها وتسلق على مدارجها الكلامية، بل راح يفرغها من مضامينها الفكرية والعملية والوجدانية .
المراجعة والتخطي ثورياً
بعد هذه المقدمة، التي رغم طولها النسبي لم تشف غليلي في أن أقول الكثير، أتقدم لشخصكم الذي اتفاءل به ومن خلالكم لكل شريف توجعه الهزيمة ويجفل حياءً من العاهات التي استشرت في جسد الحزب والحركة الوطنية العراقية والتي دحرجت الكل الوطني نحو مهاوي اليمين ومطبات الخيانة الوطنية، بمداخلة صريحة حد المرارة حريصة حد الدور والمسؤولية .
فأنا، يا ابا خولة، مختنق بالحاجة الى تنفس هواء نقي واعادة الروح والحيوية الى فعل مجد ونزيه الحافز والغاية .. فعطفك ان اطلت وأسهبت. والآن سأنتقل الى الوقوف عند النقاط الأساس التي وضعتها ورقتكم أمامنا :
1ـ انني مع هذه المحاولة على ان تتحرك على مسارها بهمة اكثر وأطروحات أعمق وأجرأ. فالأيام تتسارع بالسلبي والايجابي بشكل يعسر اللحاق به، ناهيك عن استباقه. فحتى الأنظمة الرجعية واليمينية أخذت تسعى الى ركوب موجات ما يستجد، بل حتى قيادة الهزائم والتذيلات والجلد " الرفاقي " راحت تتمسح بالبروستريكا واخواتها!.. فتصور !!
2ـ ان ( وطنية الشيوعيين العراقيين/ص1 ) لم تثلم، إذ لا تزال متمثلة في الشرفاء والوطنيين من عناصر هذا الحزب ومن اصدقائه المحسوبين تاريخيا عليه، كتنظيم، أو عليه كعقيدة. ان ما ثلم حقا هو وطنية قيادة الحزب وخطها السياسي الذي انحدر تدريجيا من التذيل اليميني الى الانتهاجية اليمينية الى الخيانة المطبقة التي استكملت عهريتها وعارها بالارتماء في الحضن الفارسي والاصطفاف في خندق ((الجبهة الكردستانية)) التي ما ولدت الا لتمزيق الوطن والتجند مع الاعداء والغادرين والغزاة بحجة : ((اسقاط صدام)) و ((كردستان الكبرى)) .
وأنا أسأل : هل هناك من خان وغدر وعادى القضية الكردية بقدر هذه القيادات الكردية التي تخلت بكل صلف عن شعبنا والوطن وعن شعبنا الكردي وراحت تجند نفسها لكل سيد ومعاد للوطن والشعب وللتطلعات الديمقراطية للعرب والكرد في العراق، حد الاصطفاف الكلي مع كل غاز ومعتد؟.. ان قيادة الحزب خانت الوطن بعد ان خانت المبادئ وارتدت على التاريخ الثوري المجيد للحزب ورموزه وشهدائه. ثم ها هي الآن توجه آخر خنجر خياني قد تبقى في قبضتها الغادرة الى صدر الحزب نفسه ... وأعني إلحاق وصمة الخيانة الوطنية بكينونة الحزب. بعد أن أمنت لنفسها زوارق النجاة من أرصدة
وجوازات وعلاقات تجسسية متنوعة وامتيازات ((أممية)) ورثتها بعقوق عن دم الشهداء وعصب الشرفاء ومواكب الضحايا وعقود العذاب .
3ـ ان هذا الهيكل المتبقي من الحزب لم يعد حزبا بالمعيار النوعي الطبقي والمبدئي. فلا ضرورة اجدها لصرف الجهد والوقت في البحث عن خلاص له من داخله أو عبر حوارات مع قيادته. الصحيح الآن، وفقط، إما الاطاحة بها من الداخل. وهذا الآن أصبح شبه مستحيل اذ استكملت هذه القيادة تطهير الحزب من الضد الرفاقي، بحيث اصبح الحال التنظيمي ليس في صالح كل معترض حتى لو وفرت له ديمقراطية المسيح!.. وإما بتكوين مركز قيادي جديد وجدي وخال من صنف الذين : رجليهم بهذا الصوب وعيونهم على ذاك الصوب !.. ولا ضرورة لان يحمل هذا المركز الاسم نفسه بأمل الاحتماء ((بالشرعية)) ..
الشرعية التي ما قدمت الينا ـ لحد الآن ـ إلا في صيغة رضا ومباركة السوفيت وبلدان الزمالات والجوزات والدعوات والدورات! ان الشرعية الحقيقية يمنحها شعبنا وجماهيره فقط. وشارتها هي الالتفاف الشعبي حول الطليعة التي تعمل لصالح الشعب وكادحيه، ورايتها هي التكلل بحب هذا الشعب لا بحب أو رضا الانظمة والتنظيمات التي ستسعى بالحتم الى كسب رضا القوى الطليعية التي سعت الجماهير الى الالتفاف حولها .
وأضيف : هل الجهات التي ظلت قيادات الحزب ـ والكثير من حزبيي الصف الأول في هيكل الحزب ـ تستنزل منها الشرعية لأكثر من نصف قرن عادت نفسها هي تمتلك شرعيتها الخاصة من طبقتها وشعبها؟ إن هذا اغتراب ذهني وعملي دفع شعبنا والشيوعيين العراقيون الحقيقيون الكثير من الدم والعذاب والحرمان والتشرد والشهادة ثمنا للتورط في هذه الموضوعة التي وضعت على عيون الحزبيين طويلا كما توضع دوما صفاقات الجلد على عيون خيول العربة كي لا تلتفت وكي لا تتمرد على سوط العربنجي !
حين أخذ خصوم المتنبي يدسون عليه عند سيف الدولة الذي راحوا يحابونه لا حبا له، بل ملقا لرجل السلطة والمال وحقدا على المتنبي رجل الجدارة والسمو وراحوا يؤلبون وساوس سيف الدولة على المتنبي، راح المتنبي الذي أدرك ملق هؤلاء ومداجاتهم وحقدهم عليه يترن

م امام سيف الدولة ـ وبحضور الوشاة الصغار والكبار ـ بعفته وصدقه وأصالته ويتفجع حتى على سيف الدولة الذي إستمرأ الملق وعجز عن رؤية الحقيقي :
مالي اكتم حبا قد برى جسدي ... وتدعي حب سيف الدولة الامم
إن كان يجمـــــعنا حب لغرته ... فليت أنا بقـــــــدر الحب نقتسم
أفيحق لهؤلاء الادعياء من حثالات الصراع وقادة الهزائم ونماذج ((اسد علي وفي الحروب نعامة)) أن يزايدوا عليك وعلي وعلى كل شريف ومفتد في حبنا لشعبنا ووطننا وقيمنا الثورية الأصيلة؟.. انها لتراجيديا مرة حقا ان تجد نفسك مقادا من قبل من كنت تستنكف أن تقوده !