السباحة في بحيرة الكذب

أن يكون منهج المماطلة والتسويف عند شركة تنافس أخرى، من أجل الحصول على زيادة في الربح، أو لتجنب الخسارة، فهذا الأمر مقبول لدى الكثير، أو أن تسير حكومة على خط المراوغة والدهاء مع حكومة أخرى من أجل المصلحة العليا للشعب، فهذا يدخل في باب الشطارة السياسية، والحرص على مستلزمات الحياة الحرة الكريمة للشعب، فالسياسة فن الممكن في التعامل والتفكير، فن المحاورة والمناورة، فن التخادم والتخاصم والتراحم، فن التمسك بالموقف الحازم تارة، واستخدام منطق التنازل تارة أخرى من أجل استقلال وسيادة الوطن، والحرص على سلامة الشعب، وعلى هذا الطريق سارت كل حكومات العالم، وعلى هذا النول نسجت كل الحكومات خيوطها في التعامل مع الحكومات القريبة والبعيدة منها، ولم نقرأ يوماً عن حكومة جندت كل إمكانياتها لخدمة الآخرين، تاركة شعبها يتخبط في دهاليز الضياع، باستثناء ما حصل ويحصل في العراق، فمنذ أن تكحلت عيوننا برماد مجلس الحكم وحتى يومنا هذا، والحكومات الموقرة لا همّ لها سوى إيجاد المزيد من طرق التحايل والتسويف والمماطلة مع شعبها، ومن يستعرض فصول هذه اللعبة القبيحة يجد أنّ حكوماتنا التي تناوبت على عرش السلطة قد استخدمت كل أساليب الدعاية الرخيصة، والكذب المفضوح مع الشعب، ففي كل صباح يخرج علينا قائد جديد حاملاً لواء النصر ويبشر بإحلال الأمن والأمان، وعند كل مساء، لا يجد الشعب أمامه غير الموت الزؤام، وأنماط حديثة للقتل والنهب والسلب، وفي كل ساعة ينثر علينا وزير جديد بركاته، وهو يعلن بداية الحملة الوطنية الشاملة للقضاء على الفساد، ومع اختفاء الوزير مودعاً برعاية الله، نجد الفساد قد نشر جناحيْه، وتمدد بارتياح بالغ على جميع الأجهزة الإدارية للدولة، وتسلل إلى غرف الموظفين الصغار حاملاً معه صراخ الشعب من الظلم الذي يعانيه، وفي كل جلسة يتحدث المسؤول عن المشاريع العملاقة التي سوف تنفذ من أجل راحة المواطن وسعادته، ومع غياب المسؤول تكون المشاريع قد طواها الغياب حاملة معها مليارات الدولارات التي خصصت لها، ومع صفير البلبل، يبدأ صفير الحاكم وهو يغرد بشعارات النزاهة في وطن العدل والحق والسلام، وينذر بالعقاب الصارم، والضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه التلاعب بأموال الشعب، ومع مغادرة البلبل وصفيره، نرى أموال الشعب منهوبة من قبل أمراء الشرف الوطني، وهكذا يستمر مسلسل الكذب عبر هذه المسيرة الطويلة، والشعب يعاني من كذبة تلد من رحم كذبة أخرى، ومن فضيحة تجر وراءها فضيحة، حتى استحق العراق لقب بلد الفضائح بامتياز.
إنّ الحكومة التي تعتمد أساليب الكذب والتسويف والتحايل مع شعبها لا يمكن لها أن تمنح الخير للآخرين، ولا يمكن أن يمنح الله نوره إليها، وعندما يغيب نور الله عن الوطن، فما علينا إلا أن نقرأ السلام عليه.
إلى اللقاء