لله درّ المتنبي، منشداً:" كأن رقيباً منك سد مسامعي/ عن العذل حتى ليس يدخلها العذل".. وما أصدقه يحاكي أقلّ ما في النفس من ملامة، تفيض بالقول عن جور ذوي القربى؛ بأشد المظاظة على القلب، حتى لم يبق من بد سوى مكاشفة لا يرغبها البعض، ولكنّنا نُدفع إليها بإكراه الحال، فلو تُرك القطا لغفا، كما قالها الحسين الشهيد، إذ يبدو في الأفق الصحراوي، وعلى مشارف الحدود الملتهبة، من ينبش الأرض لتعكير صفو هجعة الطيور المسالمة. والقضية عن أخبار ترسيم الحدود العراقية الكويتية، وتثبيت دعامات جديدة، حيث تحاول دولة الكويت توكيد ما جرى سنة 1994 من فرض لأمر واقع، اشتركت فيه الأمم المتحدة، وهي تقتطع عشرات الكيلومترات من الأراضي العراقية لتضيفها إلى الكويت، في وقت كان نظام الطاغية المدان لا يملك حولاً ولا قوة، ولم يكن ليقرب المنطقة، أو يفتح حواراً عنها. أراض وضعها القرار ألأممي، بفعل الظرف المرعب، كمناطق عازلة، أحرزتها أمنيات دولية لتكون "جبلاً من نار"، يفصل بين مصيرين، كشاهد دهر على أقسى ما مرّ، في أفجع الأمكنة. ومن شهد الوقيعة تلك، له أن يخبر أهل العقل والنهى ليتعظوا بها، وكفى ما تركه الموت هناك من مواعظ. وليتها الآن تجلّت لتعود الأمور إلى سابق عهدها؛ أي كما لو أن الكويت بحدودها قبل الغزو، والعراق بجغرافيته قبل حدوث الكارثة. هكذا يبدو المشهد الآن، أبعد من حقوق مزارعين اغتصبت أراضيهم على الحدود، وذهبت صرخاتهم أدراج البرية، وهم يتظاهرون في زمن الديمقراطية، طلباً لحقوق مشروعة، يعبرها البعض بعيداً، ليتجاهلهم، متباكياً على تظاهرات أخرى، لم يسلب فيها بيت. وحسبك من يقول: لو كانت القضية تخص ذلك النظام أو تخص الدولة العراقية، فلربما سهل الالتفاف عليها، بجعلها مما يسقط بالتقادم، كأرض سيادية مستباحة!، ولكنها قضية حقوق لعشرات المزارعين ممن سلبت أراضيهم وأرغموا، ترهيباً بترك أملاكهم لعدالة المنتصر!، تحت المرأى والمسمع الأممي. ولهذا الصوت حقّه في ما يراه، فمسلوب الأرض العراقية مما أهداه القائد الضرورة هنا وهناك، منسي ومطوي بالتجاهل، وأسقطه التقادم، وتغافلت عنه الأمم. وذاك حديث في شجونه آلاف الكيلومترات، ستكفي - لو وزعت بالتماثل- ليمتلك كل عراقي بيتاً. عموماً، الأخبار تتحدث عن "دعوات إلى جلسة طارئة للنواب".. و"مطالبات بإيقاف إجراءات ترسيم الحدود".. وأخرى "بتشكيل لجنة للطعن بالترسيم".أيضاً، الخارجية العراقية تقول:"سنعوض البصريين بمدينة مع مدارس وملاعب، وقلصنا المنطقة العازلة مع الكويت إلى 50 مترا". لا تعليق ولكنها مجرد ملاحظة وسؤال؛ الأرض العازلة كانت 500 متر، وسلطات البصرة أعلنت ان الترسيم المزمع سيؤدي إلى تهجير أكثر من 250 منزلاً في مدينة (أم قصر) وضم مساحات جديدة.
|