خفافيش المصائب

أحاول كثيرا أن أتفكه مع القارئ على هذه الدنيا وأحوالها، وأحيانا أنجح وأحيانا تلاحقنا المصائب، وياريت المصائب فقط، ولكن الحروب ومآسيها والبلاوي السوداء التي لا تنوي التوقف، فهي في كثير من الأحوال تشتعل دون حتى عود ثقاب.
هناك اليوم سبعة مليارات إنسان على سطح الأرض، وهذه الزيادة في البشر دفعت إلى ظهور كوارث طبيعية وبيئية مثل الاحتباس الحراري والتصحر وقلة المياه والغذاء، وهذا يعني أننا مقبلون على المزيد من الكوارث الصحية نتيجة خلل الطبيعة واضطراب المناخ وتغير طبيعة عيش الإنسان وعاداته الغذائية.
وكل هذا في رأي العلماء والأطباء الأوروبيين يزيد في المصائب وفي الأمراض الفتاكة. فهناك اليوم أمراض جديدة لم يعرفها الإنسان من قبل، وهناك أيضا أمراض قديمة عادت بقوة وكأنها لم تمت في السابق.
ولعل مرض السرطان الخبيث هو أشهر الأمراض التي صارت تنتشر، حيث صار مثل الوباء، ويفتك سنويا بأكثر من 14 مليون شخص في العالم، وما زال مرضا محيرا حتى الآن عند الأطباء، والأدوية المتوافرة غير فعالة، والغالبية المصابة به تموت في النهاية. غير أن الأكثر مأساة في هذا المرض اللعين هو وجود توقعات بزيادة نسبة المصابين بالسرطان بنحو 70 في المائة خلال السنوات المقبلة!
غير السرطان المخيف هناك أوبئة قديمة جديدة تنتشر مرة أخرى بين البشر من خلال انتقال عدواها من الحيوان إلى الإنسان، مثل إنفلونزا الطيور وجنون البقر وفيروس الجمال وفيروس كورونا ووباء إيبولا القاتل الذي انتقل حسب العلماء إلى الإنسان من الخفافيش!
حتى الخفافيش ضد البشر! هل أصبح الإنسان عدو كل الكائنات في الأرض؟ ولماذا الجميع، من طبيعة وبيئة وحيوانات وأرض وغيرها، يحارب الإنسان؟ هل هو مجرم إلى هذه الدرجة ويستحق العقاب على ما قام به في تاريخه؟
كل هذه أسئلة برسم الإجابة، وربما الدراسات والكتب لتشرح لنا ماذا يحدث في هذا الكوكب بالضبط.
فمن غير المعقول أن تنتشر كل هذه الأمراض الفتاكة وتزداد الحروب بين البشر، ويبقى الناس حيارى لا يعرفون الأسباب، ولا متى تأتي هذه المصائب.
ومع هذه المآسي يتساوى كل شيء. فالإنسان يمكن أن يموت بإنفلونزا الطيور أو في حادث سيارة عادي، صار لا فرق. فقد تعددت الأسباب والموت واحد.
لكن القضية اليوم ليست هي الموت فقط، فكل البشر فانون اليوم أو غدا. لكن المصيبة أن تذهب حياة البشر وهم لا يعرفون لماذا وأين ومتى وكيف! صار الناس يحتاجون إلى قناعات تريح قلوبهم وإيمانهم بالحياة، فلا أظن أن أحدا يريد أن يعيش في الحياة وهو في أشد الحيرة لا يعرف ماذا يأكل ولا ماذا يشرب، ولماذا يصاب بمرض ولا يصاب غيره بنفس المرض!
لم تعد المختبرات الطبية ولا العلمية ولا دوائر البحث الكبيرة والصغيرة في الدول المتقدمة أو المتخلفة قادرة على تحليل بعض ما يحدث اليوم في الدنيا.. ولا طبعا التنبؤ بما سيحدث للبشر في المستقبل.
لقد صار هؤلاء الأطباء والباحثون والعلماء حيارى مثلنا. فهم يتقدمون خطوة لكن المصائب والأمراض والحروب تتقدم عليهم بمئات الخطوات.
صار ما يجري اليوم على هذا الكوكب المعقد بمثابة مسلسل طويل من الألغاز. يُحل لغز اليوم ويأتينا لغز آخر في اليوم التالي أصعب منه. ومن يتمنى أن تُحل كل الألغاز وأن تنتهي حيرة البشر فعليه أن يصبر طويلا!