مجتمع يقتل ابنائه


أولا:
مجتمع كمجتمعنا العراقي الغرائبي ,محير وعجيب لا مثيل لسلوكياته وتقلباته وتناقضاته في اي بقعة من على سطح المعمورة ,وريث لتأريخ مشوه ,وعلاقات أجتماعية متفردة بغرائبيتها ,لن يخضع لأطوار الحتميات التأريخية وقوانينها,لأنه بني وتغذى ورضع من ثدي اللامعقول, تناهبته العصبيات والثارات وأرتكن لكارثة الموروثات ,بعيدا عن الانساني ومنطقه وقوانينه . فبينما العالم يسسير بخطاه الواثقة السريعة , منقبا وباحثا ومكتشفا ليسبر اغوار واسرارجديدة يخضعها تحت تصرف الانسان ورقيه ووجوده ,تضل مجتمعاتنا نهبا للتراجع والعودة الى الوراء لتتسع الهوة والمسافات المخيفة الفاصلة بينها و بين حاضر ووجود البشرية قاطبة .خاضعا لركام هائل من الموروثات التي باتت وبالاومرضا خطيرا , ولوعي وفكر مهلهل ولمرجعيات قبلية وفق قوانين كارثية ,معبرة عن واقع غريب لا ابشع منه في عالم ينشد التسامح والمحبة ,يتمثل بقانون موغل بالرجعية والدونية ,مرتكنا للقوة كوسيلة على اثبات الوجود و شرطا اساسيا للبقاء ,(انا وابن عمي على الغريب ,وانا واخي على ابن عمي ),في تراتبية لا يحدها منطق أو وعي انساني او ضمير ,وهي فعل ووممارسة لنفي العقل في مجتمع ,يتلذذ بايذاء ابنائه و ممن حوله بأي وسيلة وبأي شكل من الاشكال ,لم ينجوا منها انسانا او حيوانا وحتى الطبيعة ,امتدت لها يده الشريرة العابثة المدمرة ,لذا أضحى الكثير من الابرياء وقودا لنار حمقه وقسوته , الكل فيه مدان ,والكل يمحق الكل ,و الجميع مشروع لأذكاء نار الاحقاد وادامة حرائقها ,منهم من يمسك حبل الدين واعضا ومرشدا ويستمد ايمانه من شرائعه ودساتيره ,مثلما يمسك اخرون بحبل الانسانية والحضارة والمدنية , غير ان الكل متشابهون يعودون في الاخر الى حيث القبيلة والتعصب والثأر لتكون الملاذ و الفيصل والحكم حين تتضارب االمصالح وتتجلى العصبيات وروح الانتقام فيرمى القانون والقيم الأنسانية والمبادئ عرض الحائط .
الانسان السوي المسامح والمتصالح مع الاخرين ومع نفسه هو القاعدة الشاذة والغريبة يجد نفسه خارج الزمان والمكان في واقع من الصعوبة التأقلم معه ,ليكون ضحية الشعور بالاغتراب وفقد القدرة على المواءمة والتكيف مع هذا الواقع مما سيدفع به الى مزيد من الضغوط النفسية والبحث عن وسائل ناجعة للخلاص من مأزق التخلف والضغوط التي تحد من حريته وفكره ,فيلجأ اول ما يلجأ للبحث عن مفازة وساحة اخرى وهواء يتنفس فيه ادميته وحريته .الاف القصص الحزينة نسمعها يوميا وهي نتاج لممارسات اجتماعية كارثية تتفشى في واقع لا يقيم للأنسان وشعوره وحريته ورأيه وكرامته وزنا ,
قصص كثيرة تظهر مدى وحشية وجناية هكذا مجتمع لأناس كثيرين نالهم ما نالهم من مصائب وويلات وحيف كبير ,يتمادون في ايذاء كل ما يصادفهم من موجودات على هذه الارض ,وما اكثر الذين نتذكرهم ,من ابرياء كانوا ضحية لرعونة وسسفاهة الاخرين ولعقد سيكولوجية ضلت متوارثة عبر التأريخ ونزعة تدميرية تتجسد بأشكال عديدة اولها التشهير والتسقيط أو الاعتداء المباشر والسخرية والتجني على البسطاء والمصابين بالعوق الجسدي والنفسي وردود الافعال العنيفة عن قضايا تافهة تصل حد استخدام كل وسائل العنف الكبيرة من البندقية والسيف وغيرها ,تجسيدا لأرضاء النزعات السادية والمريضة التي تؤطر وعي وتفكير جمعي غريب .
في واحدة من خطبه يقول الامام علي (يا أهل العراق ، ما شغب شاغب أو نعب ناعب أو زفر كاذب الا كنتم أشياعه واتباعه وحماته وانصاره).كثير مما قيل بحق هذه الشخصية الغرائبية وتناقضاتها ولعل اهمها واوسعها دراسة هي ما دونه وكتبه الدكتور علي الوردي بجرأة كبيرة ونادرة في تقييم هذه الشخصية وطبيعة المجتمع العراقي وصراحته في تحليل الظواهر الاجتماعية الخفية والسلوكات الفردية والجمعية وفق اسس علمية تأريخية وأجتماعية كان لمنطق ابن خلدون تأثيره الواضح عليه في مجمل تحليلاته واستنتاجاته .