المنطق في الأعجاز القرآني ٤
 يقول الطبيب الفرنسي موريس بوكاي والذي اعلن اسلامه بعد البحث والتوسع :
( لسنا ملزمين أن نفهم الآية كما فهمها المفسرون قبل ألف سنة مثلا، لأنه لو توافرت لديهم العلوم،كما توافرت لنا اليوم  لفهموا تفسير الآيات  كما نفهمها اليوم. (   
وهذا هو الواقع بالفعل اذ اننا بمزج وعينا للعلوم الحديثة مع فهمنا لما جاء في القرآن نصبح اكثر فهما ًللقرآن وأكثر التصاقا ً به ،كما انه يوجه تفكيرنا الى افاق ومدارك واسعة .
 
1-  اشارت الدراسات الكونية الى وجود قوى في التركيب الأولي للمادة، تحكم بناء الكون وتمسك به برباط وثيق ،ومن القوى التي تعرف عليها العلماء القوى النووية والقوى الكهرومغناطسية وقوة الجاذبية وهذه القوى هي الدعائم التي يقوم عليها بناء الكون ولولاها لأنفرط بناءه ، ونجد ان القرآن قد أوجز ذلك  :
(اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ ) (2) الرعد .
2-  تأكد العلم ان الشمس كتلة وهاجة بينما القمر كتلة  حجرية تؤخذ نورها من الشمس وهذه الحقيقة لم يعرفها العلم الا بالعصر الحديث  ،وقد وصف القرآن ذلك بدقة علمية :
هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا ) (5) يونس .
  فالنور هو المنعكس من غيره وليس منبعثا من ذاته .
(وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا )(16) نوح  .
         (تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا (61) الفرقان .
وهكذا نرى التأكيد على هذه الحقيقة العلمية في أكثر من آية قرآنية .
                     
3-  ظلمات البحر التي تتشكل على شكل طبقات بسبب اختلاف الضوء وهذا لم  يكن يدركه احد لصعوبة الوصول الى اعماق البحاروعدم قدرة عين الأنسان  على الرؤية الاّ خلال مسافة بسيطة في أعماق الماء ، تجعل الأنسان لايكاد يرى يده هناك،وان المخلوقات التي تعيش هناك تستخدم حواس أخرى غير النظر، حيث ان بعضها يعتمد على اضاءة اجزاء من جسمها ،اما الغواص فيجب ان يكون لديه مصدر ضوئي لكي يرى ،وهذا هو الموجود  في أعماق المحيطات البعيدة عن الجزيرة العربية مكان نزول القرآن ، كما ان هناك حقيقة أخرى وهي ان الأنسان بمعلوماته البسيطة بقي حتى بداية القرن العشرين ، لايعرف سوى موج واحد في البحار هو الموج السطحي  ،غير ان الغواصين اكتشفوا ان هناك موج آخر في أعماق البحار يقذف بالغائصين فيه  :
 ( أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ )  (40) النور .
 
4-  (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ) (30) الأنبياء 
 انزل الله الماء الى الأرض لتتكون الحياة ، ولولا وجود الماء على الأرض لما  كانت حياة عليها ،ولاحظ التعبير القرآني (كل شئ حي ) وقد إكتشف العلم الحديث ان حتى الأحياء المجهرية لاتستغني عن الماء ، فكيف لرجل يعيش وسط البادية ان يطلق هذا الوصف العلمي الدقيق،ثم ليس هذا فقط بل هذا الماء الذي يعطي الحياة للأرض ويميزها عن الكواكب القريبة منها ، يعود لأرادة الله الذي يقدر ان يذهب به وبالتالي تزول الحياة :
(وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ )(18) المؤمنون .
    يؤكد العلماء على أن الحياة ظهرت على الأرض بسبب الخصائص الفريدة والعجيبة للماء فبدون هذه الخصائص لا يمكن للحياة أن تظهر أبداً. وممّا أثار استغراب العلماء أن جميع خصائص الماء الفيزيائية والكيميائية هي خواص تثير العجب أيّ أنها تختلف عن خواص مركبات مشابهة لها في التركيب ممّا حدا بعالم الكيمياء الفيزيائية الروسي "إيغور بتريانوف"بأن يصفه بأنه أغرب مادة في هذا الكون وذلك في كتابه"الماء تلك المادة العجيبة".  لقد اثبت العلماء أن الماء هو السائل الوحيد من بين جميع السوائل الطبيعية الذي يصلح لأن يكون وسطاً مناسباً لحدوث التفاعلات الكيميائية اللازمة لتصنيع المواد التي تحتاجها أجسام الكائنات الحية .
   إن عملية نقل الماء من المحيطات وتوزيعها على اليابسة تتم بآليات بالغة الإتقان حيث تستخدم الطاقة الشمسية لتبخير الماء من المحيطات بدون أن يتم رفع درجة حرارة الماء إلى درجة الغليان  .
ويتم تبخير الماء من خلال الإشعاع الذي يصل إلى الأرض على شكل أمواج ضوئية وحرارية.  أن طاقة التبخير هذه لا تذهب هدراً بل يتم الاستفادة منها عندما يتكثف بخار الماء في الجو فتنطلق هذه الطاقة لتسخن جو الأرض وخاصة أثناء الليل. وبعد أن يصعد هذا الماء المتبخر إلى طبقات الجو العليا مع التيارات الهوائية الصاعدة يبدأ البخار بالتكثف على شكل غيوم بسبب البرودة الشديدة لطبقات الجو العليا وصدق الله العظيم القائل :
(وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) (57) الأعراف  .
5-   دقة قوانين الكون :
 ان نواميس الخلق وقوانينه لو انحرفت قليلا ً لحدثت كوارث شديدة لاقبل للخلق عليها ،فمثلا ً ان سقوط المطر الذي هو نعمة كبرى بما يحمل من خير للأرض والنبات والمخلوقات إذا زاد عن الحد المقرر سينقلب الخير المقدر الى وبال وهذا ما يبدو بصورة واضحة في قصة  سيدنا  نوح عليه السلام وما حل من دمار وعذاب على قوم نوح الذين عصوا اوامر الله ولم يستجيبوا للرسالة التي حملها اليهم سيدنا نوح وقد صور القران الكريم هذا المشهد العجيب :
}(فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14) وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آَيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15) {القمر .
6-    البرزخ :
اكتشف العلماء الغربيون مؤخرا ً حاجزا ً بين كل بحرين مالحين ،وقد تم تصويره من سفن الفضاء ،وهذا الفاصل الذي سماه القرآن (البرزخ) يمنع اختلاط مياه البحرين مع بعضهما ،حيث يبقى كل منهم متمتع بصفاته ،وقد دهش العلماء عندما علموا ان هذا الأمر مذكور في القرآن  :
( مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (20) الرحمن .
وقد اكتشفوا ايضا ً ان حاجزا ً ايضا ًيفصل البحر المالح عن البحر العذب ،وهو يمنع اختلاط حتى اسماك البحرين ،وكما أطلق القرآن على الأول برزخا ً،فقد أطلق على الثاني حجرا ً  :
(وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا )(53) الفرقان